أقامت الوكالة الدولية للمياهGlobal Water Intelligence وبالتعاون مع الجمعية الدولية لتحلية الميـــاه (International Desalination Association) للفترة من 30 نيسان ولغاية 1 آيار 2012 مؤتمراً علمياً في العاصمة الإيطالية روما تحت عنوان "قمة المياه العالمية 2012 " إشترك فيه عدد كبير من العلماء والمسؤولين والخبراء والمختصين ومدراء الشركات العالمية الذين قاموا بإلقاء محاضرات تناولت جميع المواضيع المتعلقة بالمياه في الوقت الحاضر وإمكانية تطوير هذا القطاع الحيوي مستقبلاً.
تطرّق المؤتمرون أيضاً الى حاجة الإنسان من المياه في الإستعمال اليومي ونمو هذه الحاجة بازدياد عدد السكان في العالم إضافة الى المواضيع المتعلقة بالتغيرات المناخية والتلوث البيئي وآثارها المختلفة على البيئة وصحة الإنسان, وقدرة كوكب الأرض وضرورة تحسين خدمات الصرف الصحي وإعادة تدوير المياه الثقيلة من أجل إستخدامها مجدداً, وقد ركّز المشاركون على منطقة الشرق الأوسط لعدم وجود كميات كافية من المياه للري وللأغراض الأخرى كالصناعات التي تدخل فيها المياه.
كما ناقش المؤتمر حاجة بلدان منطقة الشرق الأوسط الى المياه والبرامج الذي تعتمدها تلك البلدان من أجل تحسين الوضع المائي فيها وأخذ توصيات المسؤولين والخبراء بعين الإعتبار بغية النهوض بواقع مستقبل المياه في هذه المنطقة المهمة من العالم.
وتحدث الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد المستشار الأقدم لرئيس الجمهورية ووزير الموارد المائية السابق في محاضرته التي ألقاها في المؤتمر عن تطور الموارد المائية في العراق وستراتيجياتها ملخّصاً في نظرة عامة قضايا المياه وأولويات التنمية المستقبلية في العراق .. وفيما يلي نص المحاضرة:
تطور الموارد المائية في العراق*
بقلم د. عبد اللطيف جمال رشيد
يتطور العالم في مختلف المجالات وهذا التطور يستهلك موارد عدة, والمياه من بين هذه الموارد وأكثرها أهمية, لذلك بدأت معظم الدول بالعمل الجاد على تنويع مصادر المياه واستغلالها بأقصى قدرٍ ممكن وبمختلف الطرق.
أكدّت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من خلال قرارها عام 2012 على حق الإنسان في الحصول على المياه الصالحة للشرب والإستخدامات الأخرى للمياه كالصرف الصحي.
وتشير الدراسات التي تمت مناقشتها في أروقة الأمم المتحدة الى أن (884) مليون شخص يفتقر الى المياه الصالحة للشرب وإن عدّة ملايين من البشر لا يحصلون على خدمات الصرف الصحي الأساسية و(1.5) مليون طفل في عمر أقل من 5 سنوات يموتون بسبب الأمراض التي تسببها نوعية المياه الرديئة وسوء الصرف الصحي على حد سواء.
وقد أشار القرار الأممي الى أن (الحق في الوصول الآمن لمياه الشرب النظيفة والصرف الصحي الجيد هو واحد من حقوق الإنسان, بل ضرورة أن يتمتع الإنسان بكامل حقوقه).
تعتبر وفرة الموارد المائية عاملاً رئيساً للإستقرار والتوازن في العالم وخاصة في المناطق القاحلة, وفي الشرق الأوسط ومنها العراق الذي تعتبر ثرواته المائية جزءاً مهماً من ثروات المنطقة, فمن المعروف أن العراق يتشارك في أنهاره وموارد المائية مع الدول المجاورة، فنهر الفرات يأخذ حوالي 82٪ من إحتياجاته المائية من تركيا و 9٪ من سوريا وحوالي 9٪ من داخل العراق. أمّا نهر دجلة فيأخذ 46٪ من إحتياجاته من تركيا و 20٪ من إيران وحوالي 34٪ من داخل العراق.
وفي هذا الصدد من الضروري التفاوض على إتفاقات لتقاسم المياه مع الدول المتشاطئة الأخرى من أجل وضع إتفاقات قوانين تكفل التوزيع العادل للمياه لضمان الحصص المائية لتلك الدول وفق ما تقرّره الأعراف والقوانين الدولية, وكذلك الإتفاق مع دول الجوار حول الخطة التشغيلية إضافة الى المعلومات الفنية الأخرى الخاصة بالإطلاق والتخزين في البحيرات المرتبطة مع السدود في تلك الدول, مع العلم بأن كمية المياه في العراق (نهرا دجلة والفرات مع شط العرب) أقل بكثير من المعدلات السابقة والتاريخية نتيجة لتصرفات وسياسات دول الجوار إضافة الى التغيرات المناخية.
العراق مهد أولى الحضارات في العالم والتي نشأت على ضفتي نهريه دجلة والفرات قبل آلاف السنين, ورافق تلك الحضارات إنشاء أولى المنشآت الهيدروليكية والسدود وقنوات الري وسن القوانين التي تنظم إستخدام مياه الأنهر, فقد ورد في قانون حمورابي / المادة 55 "إذا فتح أي شخص الممرات المائيه على حقله بصورة غير نظامية وأدّى ذلك الى الإضرار بحقل جاره، وجب عليه دفع الذرة تعويضاً لجاره عن خسارته".
وفي إستعراضٍ سريع نوجز بعض المنجزات التي أسهمت فيها حضارة الري القديمة لوادي الرافدين:
- أول دليل على وجود أنظمة للري وجد في حضارة أريدو (جنوب الناصرية) في الألف الخامس قبل الميلاد.
- قناة I-tu-rungal Canal (من بغداد الى الناصرية) في مملكتي سومر وأكد مابين 4000 الى 3000 قبل الميلاد.
- سد نمرود على نهر دجلة إضافة الى سدود أخرى في مملكة بابل أيام الملك حامورابي من 1900 الى 1600 قبل الميلاد.
- سدود وقنوات الملك سنحاريب في نينوى - العصر الآشوري من 1700 الى 1600 قبل الميلاد.
- سدود وخزانات الملك نبوخذ نصر - العصر الذهبي 700 الى 600 قبل الميلاد.
- حضارتا فارس واليونان وحضارة الفرثيين من 600 قبل الميلاد الى 637 م.
- الطوفان العظيم مابين 627 – 628 م .الذي أنتج نظام الأهوار وهو من المسطحات المائية الكبيرة في العالم وتقدّر مساحته بحوالي 20 الى 25 ألف ألف كيلومتر مربع، وقد تضرّرت بيئته بشكلٍ كبير بعد أن قام النظام العراقي السابق بتشغيل آلات جرف الأراضي العراقية لتجفيف منطقة الأهوار ولمدة ثماني سنوات متواصلة.
إنّ تجفيف الأهوار كارثةٌ بيئية لم تمس سكان تلك المناطق فحسب, بل إمتدت إلى مناطق عراقية أخرى والى الخليج العربي حيث تأثرت بيئته البحرية والحيوانية والنباتية جرّاء هذا العمل التدميري, فكان لابد من إيلاء إعادة إنعاش الأهوار الأهمية القصوى, فقمنا بعد تحرير العراق بالعمل الجاد والدؤوب على هذا الهدف الهام ورصدنا لهذه المهمه الميزانيات الضخمة إدراكاً منا بأهمية دورالأهوار في تحقيق التوازن البيئي في المنطقة البحرية ولما لها من أثر كبير في نوعية الماء وعذوبته عند التقاء نهري دجلة والفرات قرب شط العرب.
قامت الحكومة العراقية بمهام الإدارة المتكاملة للموارد المائية خدمةً للمواطنين العراقيين كمسؤول عن هذا المورد المهم, وهي تسعى جاهدةً الى تحقيق التوازن في توزيع الحصص المائية بين المطالبين بها لأغراض الري وكذلك تقوم بتوفير المياه للخدمات البلدية إضافة الى إمدادات المياه الصناعية, كما تقوم بإمداد البلاد بالطاقة الكهرومائية, وتلبي في الوقت ذاته جميع المتطلبات البيئية التي تتضمن إعادة إنعاش الأهوار, وتقوم كذلك بإدارة المياه الجوفية وتزويد كافة المستفيدين منها من سكنة المناطق الريفية.
وبلغة الأرقام فإنّ الجزء الأكبر من المياه يذهب لخدمة مايقارب 33 مليون مواطن عراقي, ويقع على عاتق الإدارة المتكاملة للموارد المائية تشغيل 25 سد كبير وناظم و275 محطة ضخ للري التي تساهم في إنتاج الطاقة الكهرومائية (مجموع الطاقة التصميمية هي 2465 ميغاواط), ومن الممكن أن تزوّد شبكة الكهربــاء الوطنية بحوالي 20% من الطاقة الكهربائية للعراق كما يقع على عاتقها صيانة مشاريع الري وقنوات التصريف الصحي وتزويد 3,25 مليون هكتار من الأراضي الزراعية بالمياه التي يأتي مايقارب من ثلاثة أرباعها من تركيا, وتوجد أكثر من 100 منشأة للسيطرة على الميـــاه ويبلغ مجموع أطـــــوال شبكتي (الري والصرف الصحي) 126887 كم.
وفيما يخص الزراعة فإن مانسبته 87-90٪ من المياه تستخدم فيها إذ تقدر الأراضي الصالحة للزراعة بحوالي 11.11 ميلون هكتار والأراضي المناسبة للري تقنياً واقتصادياً حوالي 5.72 ميلون هكتار, مع ملاحظة أن 70% من تدفق المياه يحدث خلال موسم الفيضان ويستمر لمدة 4 أشهر لينتهي في الشهر الخامس.
توفر الزراعة 9 % من الناتج المحلي الإجمالي (حيث كان 16 % عام 1968) وتقدر بحوالي 1.6 مليار دولار في عام 2002 وتوفر فرص عمل لـ 20 % من السكان, كما تدعم جميع سكنة المناطق الريفية وتقدر نسبتهم بحوالي 27 % من التعداد الكلي للسكان.
وهنا نود الحديث عن الإتجاهات المستقبلية في مشروعات تنمية الموارد المائية في العراق, إذ يجب التركيز على إعادة التأهيل والبناء والتشغيل والصيانة لمحطات الضخ في جميع أنحاء البلاد التي تشمل إعادة تأهيل أو إستبدال المضخات فضلاً عن أعمال التشغيل والصيانة, كما يجب الإهتمام الواسع بمشاريع إستصلاح الأراضي من خلال إنشاء مشروعات جديدة وإستكمال المراحل المتبقية من المشاريع القائمة إضافة الى إعادة تأهيل شبكات الري والصرف الصحي والمبادرة الى البناء في مجالات شبكات تصريف المياه والقيام بأعمال تبطين القنوات وكري قنوات الري وتوصيل شبكة الصرف الصحي بشبكة تصريف المياه الرئيسة / المصب العام (MOD) ونؤكد أيضاً ضرورة إستخدام تقنيات الري الحديثة لتحسين كفاءة إستخدام المياه (الري بالتنقيط ونظم الري النضحي).
من الضروري الإهتمام ببناء وإعادة تأهيل وتشغيل وصيانة السدود والسدود الصغيرة والخزانات والنواظم إضافة الى بناء سدود جديدة (في كردستان، شمال وغرب العراق) وكذلك تأهيل وتشغيل وصيانة الخزانات ومنشآت السيطرة الهيدروليكية (9 سدود رئيسية، 18 سد صغير وعشرات النواظم) إضافة الى حفر وتنظيف القنوات الرئيسية والأنهــــــار وشبكــــــات الصرف الصحي (حوالي 55.00 ألف كم)
إن إنعاش وتطوير منطقة الأهوار عمل إنساني وواجب وطني تقع مسؤوليته على الجميع دون إستثناء وعلى الحكومة إقامة البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية ودعم الصناعات التقليدية والإقتصاد المحلي في تلك المناطق النائية وتوفير الرصد البيئي والمحافظة على كمية ونوعية المياه من أجل إثراء التنوع البيولوجي في تلك المحمية الطبيعية.
إن الإحتياجات الإستثمارية في قطاع الموارد المائية هائلة جداً, أخذين في الإعتبار الإهمال المتعمّد الذي مارسه النظام السابق بحق مرافق الدولة عموماً وقطاع الموارد المائية خصوصاً وتشير التقديرات الأولية في الوقت الحاضر إلى أن الموارد المالية اللازمة للإرتقاء بواقع الحياة المائية في العراق هي على النحو التالي:
13.5 مليار دولار لمشاريع إستصلاح الأراضي
3.44 مليار دولار لتطوير الموارد المائية ووإعادة إنعاش الأهوار في الجنوب
12 مليار دولار للسدود والخزانات
ختاماً نودّ الإشارة الى النشاطات المتصلة بالموارد المائية في العراق (الدور والمهام):
- إدارة وتوفير المياه بكميات كبيرة للصناعة والزراعة ومياه الشرب.
- المسؤولية عن تخزين وإدارة وتخطيط الموارد المائية العراقية في جميع أنحاء البلاد.
- تطوير نظم الري والصرف الصحي.
- بناء السدود والقنوات والنواظم والسدود الصغيرة ومحطات الضخ والري إضافة الى نظم الصرف الصحي.
- تشغيل وصيانة جميع المنشآت المدنية ذات الصلة بالمياه.
- تحديد آلية توزيع المياه والإمدادات اللازمة لمختلف المستخدمين.
- إدارة المياه في الأنهار والجداول، والخزانات، والمستنقعات والمياه الجوفية.
- تقييم الموارد المائية عن طريق الدراسات وجمع المعلومات الفنية عن الأنهر والبحيرات والمياه السطحية الجوفية.
- وجوب الحصول على تراخيص لإستخراج المياه الجوفية من الأنهر والبحيرات.
- تمويل الأبحاث والدراسات حول الأراضي والمياه.
- رصد وتخطيط وإدارة إستخدامات المياه في جميع أنحاء البلاد.
- التفاوض على إتفاقات لتقاسم المياه مع الدول المتشاطئة الأخرى وكذلك تشكيل لجنة دائمة من الفنيين والقانونيين تختص بالبحث والتفاوض مع دول الجوار للوصول الى إتفاقيات دولية.
- حماية البيئة والتنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية ذات الصلة ومحاربة التصحّر والتنسيق مع دول المنطقة من أجل السيطرة على هذه الظاهرة الخطيرة.
*نُشرَت المحاضرة في الجرائد التالية:
- العدالة / العدد 2452 / 19 حزيران 2012.
- الصباح الجديد / العدد 2309 / 11 حزيران 2012.
- الإتحاد الكوردستاني / العدد 3001 / 21 حزيران 2012.
- التيار الديمقراطي / العدد 8 / 24 حزيران 2012.
- الإنصات المركزي / العدد 5310 / 4 حزيران 2012.
- مجلة الحوار / العدد 32 / تموز 2012.
السيرة الذاتية
ولد في 10 آب 1944 في السليمانية ، العراق
اقرأ المزيد