27-12-2020 الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد – السليمانية
أصبح ملف الطاقة جرّاء الازمة الاقتصادية والتداعيات التي خلفها ملف النفط والغاز في اقليم كردستان والعلاقة بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية، الشغل الشاغل لجماهير كردستان والعراق والاوساط السياسية والحكومية والاعلامية.
فيما يخص رواتب الموظفين والملاكات الحكومية المتأخرة، مع انها استحقاق لكل موظف في الاقليم الا انها لا توزع كما ينبغي، ورغم انها تتاخر في كثير من الاحيان وتمنح خلال فترات متباعدة، الا ان حكومة الاقليم لم تكتف بذلك، ولجأت الى استقطاع نسب كبيرة من رواتب الموظفين دون ان تستند في ذلك على اية معطيات قانونية.
تعاطي حكومة الاقليم وفقا لهذه الالية مع رواتب الموظفين يمثل اجراءً غير شرعي نادر على المستوى الوطني وعلى صعيد مختلف دول العالم، ويندر حتى في الانظمة الدكتاتورية، ان تجد حكومة تستقطع رواتب موظفيها وتتلاعب باستحقاقاتهم الوظيفية.
حتى ان بعض الحكومات والانظمة تلجأ قبل ان تفكر في المساس برواتب موظفيها وملاكاتها العامة الى خيارات اخرى، مثل حل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة، او تخفيض رواتب وامتيازات المسؤولين بدءاً برئيس الحكومة نزولاً حتى أصغر المسؤولين، في مسعى منها لتأمين رواتب الموظفين وخصوصا الشرائح الضعيفة من المجتمع.
الا اننا ومع الاسف نجد بان المسؤولين في الاقليم اصبحوا عبئاً ثقيلاً على كاهل المواطنين، وفي سبيل الحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم الشخصية وامتيازات حاشيتهم والمقربين منهم، تجاوزوا على القوانين والدستور، الامر الذي ادى تحميل المواطنين تبعات سلبية افقدتهم القدرة على التحمل.
وفي مقدمة النقاط التي يتم بحثها والاشارة اليها هي تعاطي حكومة الاقليم مع ملف النفط والغاز والكمارك والنقاط الحدودية؛ لأن تلك النقاط خلفت مشاكل كبيرة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، تفاقمت عقب عام 2014، وذلك بعد تصدير النفط بنحو منفرد من قبل حكومة الاقليم، وتوقيعها على العشرات من العقود النفطية مع شركات اجنبية، دون العودة الى بغداد، كما ينص الدستور العراقي.
يبقى ملف النفط في الاقليم ولغاية الان مجهول المعالم، وعلى الرغم من توقيع عشرات العقود النفطية طويلة الاجل، الا انه لا الاحزاب السياسية في كردستان ولا الشعب او البرلمان والمنظمات ومؤسسات حكومة الاقليم، مطلعة على تفاصيل هذا الملف وتجهل لحد الان فحواه، فضلاً عن ان الحكومة الاتحادية ومجلس النواب العراقي يعتبران تجارة وتصدير النفط من قبل حكومة الاقليم اجراءً غير شرعي وغير قانوني، لانه لم يحصل على موافقة مجلس النواب والحكومة الاتحادية، حتى ان الرئيس الراحل مام جلال حذر المسؤولين في الاقليم عبر رسالة رسمية، من خطورة الاستمرار بهذه السياسية، التي تتعارض مع القوانين والدستور العراقي، اضافة الى انها تهدر ثروات الاقليم وتهدد مستقبل اجياله القادمة، فضلاً عن انها تضع ثرواته تحت تصرف دول الجوار.
ما نراه الان من انعدام للشفافية وسوء للادارة والاهدار والتلاعب الواضح والهيمنة والسيطرة الحزبية على آبار النفط وتجارة وبيع النفط والغاز، هو جزء من التبعات الكارثية لهيمنة الاحزاب وسيطرتها على هذا الملف، بعيدا عن مؤسسات ودوائر حكومة الاقليم.
اذا سياسة تحقيق الاستقلال الاقتصادي التي انتهجتها حكومة الاقليم خلال الاعوام الماضية، تحولت الى عبء وتركة ثقيلة، تسببت باهدار ثروات الاقليم وتحميل المواطنين تبعات قروض طائلة ستجعلهم يتحملون اثارها للسنوات المقبلة.
كان ينبغي بالاحزاب السياسية الحاكمة وحكومة الاقليم مراجعة الذات وايقاف نزيف الثروات المستمر، واعادة هذا الملف الى برلمان الاقليم والجهات المختصة، لاعادة النظر به وتصويبه ليتم تسليمه لاحقا الى الحكومة الاتحادية، لترى مدى الاستفادة المتحققة من وراء هذا الملف الذي اثبت فشله، نظراً لان العقود التي وقعتها حكومة الاقليم مع شركات النفط العاملة في الاقليم عقود شراكة وليست عقود خدمة، كما هو معمول به لدى الحكومة الاتحادية.
الان، وبعد ان كثر الحديث عن العقد الخمسيني الذي وقعته حكومة الاقليم مع تركيا والذي ينبغي ان لا يطلق عليه صفة عقد قانوني، لافتقاره الى المقومات القانونية ولايتوافق مع الدستور العراقي، مما يمنح حكومة الاقليم باعتبارها جزءاً من العراق حق التراجع عن هذه العقود، دون ان يترتب على كاهلها اية تبعات قانونية، لذا فانه ينبغي اتباع بعض النقاط والخطوات الهامة لمعالجة الازمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتي تتمثل في:
1- اعادة بناء الثقة بين المواطنين وحكومة الاقليم من ناحية، وبين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية من جهة اخرى، واناطة هذا الامر باشخاص خبراء مهنيين لتحقيق المصلحة العامة وليس مصالح الاشخاص والاطراف الحزبية.
2- تحقيق الشفافية في ملف النفط والغاز والايرادات الاخرى والكشف عن حجم القروض المتراكمة بذمة حكومة الاقليم، اضافة الى الكشف عن حجم الايرادات وآلية توزيعها امام برلمان كردستان، ومجلس النواب والحكومة الاتحادية.
3- الاتفاق مع الحكومة الاتحادية على عقود النفط التي وقعتها حكومة الاقليم في قطاع النفط والغاز، واعادة النظر بها من قبل مجلس النواب والحكومة الاتحادية.
4- تسمية وفد رفيع المستوى من الخبراء والمهنيين، لاعادة التفاوض مع الحكومة الاتحادية، حول ملف النفط والغاز والاستحقاقات المالية الاخرى لحكومة الاقليم التي تقع بذمة الحكومة الاتحادية، وحسم الملفات العالقة المالية والادارية والفنية مع الحكومة الاتحادية.
5- مساءلة ومعاقبة ومقاضاة المسؤولين المتسببين عن خلق الاوضاع الاقتصادية والمالية الاستثنائية، اضافة الى اعادة الثقة بمؤسسات الدولة.
6- انتهاج سياسة واقعية تحظى بالشفافيه في ملف النفط والغاز، والايرادات المالية، وخصوصاً في هذه المرحلة التي يمر بها اقليم كردستان والعراق والمنطقة بأزمة مالية حادة.
7- تكثيف المساعي مع الحكومة الاتحادية لتشريع قانون النفط والغاز، لأن انعدام مثل هكذا قانون تسبب بخلق مشاكل وازمات اقتصادية وادارية وفنية كان يفترض اقرار القانون منذ عام 2007 .