د.عبد اللطيف جمال رشيد

وزير الموارد المائية

 

كما هو واضح للجميع تعتبر الحضارة والري عنصران متلازمان حيث اينما وجدت المياه وجدت الحضارات فعلى ضفاف نهري دجلة والفرات العظيمين شيدت أقدم وأعرق حضارة في التاريخ وإزدهرت هذه الحضارة وتطورت بواسطة أقدم انظمة رى عرفها التاريخ. ومنذ القدم إتقن العراقيون القدماء هندسة الري فقاموا بحفر الانهر والجداول والقنوات الاروائية وبرعوا في بناء السدود والخزانات وتمتعوا بخبرة جيدة في دراسة الموارد المائية.

تم تأسيس اول دائرة للري في عام 1918 ومهمتها كانت مقتصرة على جمع المعلومات المائية الخاصة بمناسيب المياه وتصاريفها وتوزيعها ودرء أخطار الفيضان، بعدها تم تأسيس وزارة الزراعة والري في عام 1927 ثم ألغيت في عام 1930 ولكن المديرية العامة للري استمرت بإداء عملها ضمن وزارة الاتصالات والاشغال العامة. وفي عام 1969 تم تأسيس وزارة الري والتي تعرف حاليا بوزارة الموارد المائية لتتبنى السياسات المائية، وإدارة الموارد المائية السطحية والجوفية وفقا لخطط سنوية وطويلة الامد مع توفيرإدارة متكاملة للموارد المائية للبلد . وبإعتبارها المسؤولة عن هذا المورد الحيوي، فإن الوزارة تبذل جهدها للموازنة بين متلطلبات الري، و مياه الاسالة، وتجهيز المياه الصناعية، والطاقة المائية، والسيطرة على الفيضانات، والمتطلبات البيئية بالاضافة إلى إنعاش الاهوار. حيث يتم إدارة هذا العمل الهائل عن طريق 25 سدا رئيسيا و275 محطة ضخ إروائية، كما ويتم إرواء حوالي 3.5 مليون هكتارا من الاراضي بواسطة تشغيل وصيانة اكثر من 120,000 كيلو مترا من شبكات الري والبزل. بالاضافة الى ذلك، تنتج الطاقة المائية أكثر من 17% من الكهرباء المتحققة في العراق.

وقد أهملت الانظمة السابقة وزارة الموارد المائية ودورها اما الان فقد قامت الوزارة الحالية بإعادة هيكليتها من خلال إعادة بناء المؤسسات والدوائر التابعة لها وكانت هذه المهمة صعبة ويسرني القول بأن الوزارة بحالة جيدة.

ومن أجل تفادي الاخطار المستقبلية والمتمثلة بنقص المياه والتلوث في نهري دجلة والفرات والذي أخذ يؤثر بصورة شديدة على نوعية المياه والصحة العامة فقد بدات الوزارة ومنذ عام 2006 بإستئناف الحوار الرسمي مع البلدان المتشاطئة من خلال عقد إجتماعات ثنائية وثلاثية مع هذه الدول على مستوى الوزراء ومستوى اللجان الفنية.

تعتبر السياسة القوة المحركة للفيدرالية واللامركزية في معظم البلدان ومن المعروف أن السياسة والاقتصاد الجيدين يحققان الغاية نفسها. وحاليا، تحاول الحكومات والمشرعون ربط مستويات الخدمة مع الكلفة لغرض زيادة كفاءة حصة الموارد المائية، وتقليل الكلف وزيادة إستدامة النظم الخدمية للمياه.

ويسير العراق قدما لتطبيق الفيدرالية في جميع جوانب الحياة السياسية. إن واحدة من النتائج الغير مقصودة ولكنما حتمية ضمن الدستور الفيدرالي هو إقامة مياه متحاددة ومشتركة داخليا. فمن المعروف ان نادرا ما تقع الحدود السياسية الداخلية على نفس المسارات المائيه ولهذا السبب تقام المسطحات المائية الداخلية المشتركة. وعلى غرار المياه الدولية المشتركة بين البلدان فإن المياه الداخلية المشتركة تشكل صعوبات لحكومات الاقاليم المتشاطئة والمشتركة في هذه المياه. وتحت هذه الظروف فإن حكومات الاقاليم تكون مقيدة ضمن وضع مشترك والذي تواجه فيه كل حكومة ظروف آنية ومتناقضة. وفي ما يخص مصالح حكومات الاقاليم فإنها تسعى لضمان الحصول على المواردالمائيه على خلاف المياه الدولية المشتركة بين البلدان فإن الحكومات والمؤسسات المركزية بإمكانها لعب دور إيجابي في إيجاد الحل لهذه المصالح المتضاربة.

من الواضح للجميع بان هنالك مشاكل في ادارة المياه الدولية المشتركة لحوضي دجلة والفرات عبر البلدان المتشاطئة وهنالك نفس الحالة في ادارة المياه الجوفية المشتركة بين العراق والبلدان المجاورة له وستجلب الفيدرالية في العراق مجموعة تحديات مشابهه نوعاً ما في ادارة ومشاركة الموارد المائية بين حكومات الاقاليم والمحافظات والمناطق، وستمنح الفيدرالية في العراق امكانية كبيرة من الفرص والتحديات في ادارة المياه. وعلى الجانب الاخر وخاصه بالنسبة لمياه الشرب والري ومن الناحية النظرية فانه من الافضل ان تدارهذه الاعمال على مستوى المحافظة اضف الـــى ذاك فإن ادارة حقوق المياه والمحافظـــة علــى المصـادر والانعاش البيئي والتطوير المستديم ستكون من أهم تحدياتلحكومات الاقاليم مع الحكومه المركزيه .

لتحقيق هذه الغاية و لتحديد العلاقة بين الحكومه المركزيه وحكومات الاقاليم فيما يتعلق بموارد المياه فمن الممكن للفيدرالية ان تطبق من خلال تعاون الاطراف وإعتماد سياسة مشتركة والتي ستكون عاملا مهما في إنجاح إدارة الموارد المائية في العراق. إن عملية تنمية العلاقة بين الحكومة المركزية والمحافظات يجب ان ناخذ بنظر الاعتبار توسيع الصلاحيات لغرض تطبيق الفيدرالية وخاصة فيما يتعلق بالحفاظ على المياه والانعاش البيئي، ودرء اخطار الفيضانات بالاضافة الى زيادة امكانيات المحافظات لغرض ادارة وتوفير الخدمات لمياه الشرب والري، ولغرض تحقيق ذلك يتطلب الامر تفويض متوازن بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية ويستدعي الامرعناية فائقة.

على غرار الدول التي تبنت المؤسسات الفيدرالية فإن المجتمع المدني يمكن ان يكون له دورا مهما في ادارة المياه وتنظيم الاحواض المائية. إن إدارة الاحواض المائية لها قيمة في زيادة الوعي والاهتمام البيئي من خلال تحسين التعاون، و في الوقت الحاضرفأن التحديات الناتجة من خلال السياسات المتجزئة والصعوبات المتزايده في النظام البيئي ستبقى مستمرة في تعقيد ادارة المياه في العراق الفيدرالي ولذلك ستكون هنالك دعوات مستمرة لغرض تعاون اكثر.

انا متفاءل بان العراق سيجد المعادلة الصحيحة للعلاقة بين الحكومة المركزية والاقاليم والمحافظات لغرض تحقيق الهدف من التطور، وتعتبرادارة الموارد المائية من الاسس الرئيسية لتحقيق التطور المستديم وتأمين مستقبل الاجيال القادمة حيث سينعمون بالخيرات الوافرة في هذا البلد والممنوحة من نهري دجلة والفرات.

يمكن لتوازن القوى بين الحكومات المركزية والكيانات السياسية المختلفة في البلدان الفيدرالية أن تمارس تأثيرات كبيرة على ادارة الموارد المائية وخاصة في اوقات الشحة.

أثبتت الجهود المبكرة لتوجيه ادارة المياه الداخلية المشتركة في البلدان المتبنية للدستور الفيدرالي بأنها الوسيلة المعتمدة. لقد اصبح إعتماد الطريقة المؤسساتية عاملاً مهيمناً في صياغة التعاون بين الحكومات في عدد من البلدان مثل الولايات المتحدة واستراليا والهند وكندا وجنوب افريقيا وبلدان اخرى ، حيث طورت كل من هذه البلدان قوانينها وأنظمتها التي تم تشكيلها على المدى البعيد بالاعتماد على المسار الذي تتبعه هذه البلدان في تطوير مؤسساتها ومواجهة تحدياتها. ففي العراق ، يجب ان نمضي بعناية مدركين حقيقة انه اياً كان الطريق الذي نسلكه الان فانه من شأنه سيشكل مستقبل العراق لعقود اذا لم يكن لقرون من الزمن.

 

 

 

 

السيرة الذاتية

small02
ولد في 10 آب 1944 في السليمانية ، العراق
اقرأ المزيد

بروشور

بروشور-1024x724