اللقاء الصحفي الذي أجرته المجلة الكردية الشارع (شه قام) مع الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد المستشار الأقدم لرئيس الجمهورية
كانون الثاني 2012
حدد الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد المستشار الأقدم لرئيس جمهورية العراق، متطلبات الوضع الحالي بالبلاد وأولوياتها في ظل المشاكل المتراكمة والمتوارثة من العهود السابقة؛ بإستعادة الثقة بين القوى العراقية وأطرافها السياسية والتوافق على برنامج سياسي ورؤية واضحة لمشاكل العراق، "مؤكداً" على أن مشاكل العراق لاتنحصر فقط بالصراعات المذهبية أو الخلاف بين الكيانات السياسية فحسب؛ بل أن المسألة تتعلق بمجمل العلاقات بين القوى والأحزاب السياسية مجتمعة، ما يتطلب حلاً جماعياً وتوافقاً وطنياً. جاء ذلك في اللقاء الصحفي الذي أجرته معه مجلة ( شه قام) أي الشارع، وقد تركّز حول تقييم الأوضاع الحالية ورؤيته لمستقبل الصراعات المتفاقمة في العراق، وفيما يلي الترجمة الكاملة لنص اللقاء..
* بدءاً، نود أن نتعرف على الدور الكردي في العملية السياسية في العراق في الظرف الحالي؟
- كما هو معلوم فإن العراق يعيش الآن في مرحلة جديدة منذ سقوط النظام السابق عام 2003، ولذلك أسميناه بالعراق الجديد. وتطلّع العراقيون خلال الفترة التي أعقبت سقوط النظام الدكتاتوري الشمولي السابق، الى أن يعاد بناء العراق على أسس جديدة تستند على الديمقراطية وتحقيق الحريات، ويؤسس نظام يمثل الجميع ويحقق أماني الشعب المقهور الذي ذاق المر على يد النظام السابق. والشعب الكردي كأحد المكونات الأساسية في العراق الجديد، تطلع الى أن يكون له دور في بناء الدولة، وخاصة أن هذا الشعب عانى من جميع الحكومات السابقة منذ تأسيس الدولة العراقية، وبنى آماله على التغيير ومجيء نظام جديد يحقق له حقوقه القومية المشروعة ويعطى له الدور الذي يستحقه؛ لأن الكرد لعبوا دوراً كبيراً ومميزاً قبل سقوط النظام في قيادة قوى المعارضة وكذلك على مستوى التحرك الدبلوماسي الخارجي، وتقدم على كل القوى المعارضة الأخرى التي كان بعضها متواجداً داخل كردستان آنذاك. ولذلك كنا نتوقع أن يكون دورنا في العراق الجديد موازياً للجهود والتضحيات الجسيمة التي قدمناها من أجل الحرية والديمقراطية ودورنا المؤثر في عملية تحرير العراق وإسقاط النظام الدكتاتوري السابق.
* وكيف تقيّمون أداء الأحزاب الشيعية في الحكم؛ تحديداً أثناء ولاية نوري المالكي وموقفها تجاه الكرد؟
- أستطيع القول بأن علاقتانا مع جميع الأحزاب والقوى الشيعية كانت ممتازة، فمنذ القدم كانت هناك علاقة قوية بيننا مع المراجع الدينية ورجال الدين الشيعة، وقمنا خلال سنوات النضال ضد النظام الدكتاتوري بالعديد من العمليات والفعاليات المشتركة على سوح النضال المسلح، وهذا يعني بأن علاقتنا لها جذور تاريخية وهي ليست وليدة اليوم أو مرتبطة بشخص السيد المالكي، فكنا قبل سقوط النظام منضوين تحت راية الجبهة الوطنية المؤقتة وتشاركنا العديد من الفعاليات السياسية والعسكرية، وإستمرت هذه العلاقة الأخوية حتى بعد سقوط النظام، وتعاوننا معاً في الحكومات العراقية المتعاقبة، وكانت ثمرة هذه العلاقة أن القوى الشيعية ككل وليس جناح السيد نوري المالكي أو حزب الدعوة أو المجلس الإسلامي الأعلى ساندوا حقوقنا القومية، وإعترفوا بوضعنا الحالي في إقليم كردستان وأقروه في الدستور، ودعموا مطالبنا بالفدرالية والحرية والديمقراطية، ثم لحقتهم الأطراف السياسية الأخرى بهذا الموقف.
* وأي من الطرفين السني أو الشيعي هو الأكثر تأييدا لحقوق الشعب الكردي؟
- المسألة ليست تقسيماً طائفياً بين السنة والشيعة، ونحن لا ننظر الى الأمر على هذا المنوال، بل ننظر الى جميع القوى والمكونات بأنها تمثل الشعب العراقي، فالشيعة والسنة والتركمان والمسيحيين والآشوريين والكلدان والصابئة والإيزيديين، هم جميعها أخوتنا ويجب أن نسعى لنبني معهم علاقات متوازنة وطيبة بلا إستثناء؛ لكي نحقّق فعلا الأهداف والشعارات التي طرحناها لبناء العراق من جديد.
* في خضم الحديث عن العلاقات مع الأطراف العراقية الأخرى، هناك الكثير من أبناء الكرد يعيشون في المناطق المتنازعة جنباً الى جنب الشيعة والسنة، فأي الطائفتين تحبذ أن يتعاون معه الكرد من سكان هذه المناطق؟
- لاحاجة لتحديد التعامل مع أيٍّ من الجهتين، فنحن نريد أن تكون علاقتنا مع جميع الأطراف متوازنة وحسنة، ودعنا نتحدث بصراحة عن المناطق التي أشرت إليها، فمشكلة المناطق المتنازع عليها لاتشكل فقط تعيين حدود كردستان فحسب، بل مشكلة الحدود الإدارية تتعلق بالعديد من المحافظات العراقية من كركوك والموصل وديالى مروراً بتكريت والرمادي ووصولاً حتى الى كربلاء والنجف؛ فقد تلاعبت الأنظمة السابقة بالحدود الإدارية لجميع هذه المحافظات، وسياسات النظام السابق هي التي ولدت هذه المشاكل والتي أدّت الى هذا النفور بين المكونات العراقية، فسياسات النظام القمعية وتنفيذ عمليات الأنفال والقصف الكيمياوي وسياسات الترحيل والتهجير هي التي فرقت بين المكونات العراقية، واليوم نحن بحاجة الى تحل هذه الخلافات وفقاً للدستور والإتفاقات الموقعة بينناً وبخاصة تطبيق المادة الدستورية 140 التي ستعالج معظم مشكلات الحدود بين المحافظات.
* وهل تعتقدون بأن الولاية الحالية لمجلس النواب والحكومة المركزية ستشهد تطبيق هذه المادة من الدستور؟
- مجرد وضع هذه المادة في الدستور يعني أن هناك إعترافاً قانونياً ودستورياً بوجد خلافات حول مناطق متنازع عليها، وبعض فقرات تلك المادة تم تنفيذها فعلاً، وهناك فقرتان من المادة تم تشكيل اللجان للشروع بها، ولكن لا أقول بأن هذه المادة طبقت وإنتهت، بل أن بعض فقراتها نفذت وبقيت النقاط الأساسية، وكان فخامة الرئيس جلال طالباني سبق وأن دعا البرلمان الى تطبيع أوضاع بعض المناطق التي إستقطعت أو أحتلت أو تسببت في حدوث هذه الخلافات كمقدمة للشروع الفعلي بتنفيذ جميع فقرات المادة 140.
* بجهود القيادة الكردية ورئيس الإقليم، عُقد اجتماع تشكيل الحكومة العراقية في أربيل بين القوى الشيعية والكردية، وقدم الجانب الكردي عدة مطالب تتضمن 19 فقرة تم الإتفاق عليها، وكان يفترض بالحكومة أن تنفذها، فهل تعتقد بأن تلك المطالب ستنفذ أم أن الوضع يتجه نحو أزمة أخرى؟
- الحكومة لم تتشكل بناءً على إتفاق ثنائي أو وفقاً للمطالب الـ19 المذكورة، إنما تشكلت وفقاً لنتائج الإنتخابات النيابية.
* ولكن لوكان الأمر كما تقولون، فإن القائمة العراقية هي التي فازت بالأكثرية !
- لا ليس الأمر كذلك. لقد كان عدد مقاعدها أكثر، ولكن الإئتلاف الشيعي إستطاع أن يكسب تأييد نواب البرلمان، والتحالف الكردستاني أيد الإئتلاف، ولإنتخاب رئيس الوزراء يجب أن ينال أصوات أكثرية النواب، وكانت الأكثرية من نصيب مرشح الإئتلاف وهكذا تشكلت الحكومة، ونحن مازلنا جزء مشارك في السلطة سواء عبر ممثلينا بالحكومة أو من خلال نائب رئيس البرلمان أو الوزراء والمؤسسات الحكومية الأخرى، ولا أدعي بأن كل شيء وفق ما نتمناه، لكننا في الحقيقة جزء من السلطة اليوم، ولنا دور رئيسي في الحكم بالعراق، وآمل أن نتمكن من تنفيذ بقية المطالب عبر الحوار والتوافق، ففي الحكومة لدينا حقوق وعلينا واجبات أيضا، نقوم بواجبنا ثم نطالب بحقوقنا وهكذا يتم الأمر.
* ماهو موقف الكرد من مسألة الأغلبية السياسية في العراق، وماهي منافع وأضرار هذه الصيغة المقترحة للإنتخابات القادمة؟
- مازالت معظم القوى العراقية بما فيها الكردية ترى بأن التوافق السياسي هو الطريق الأمثل لإدارة الحكم في العراق. والإتفاق هو إلتزام جميع الأطراف والمكونات على برنامج وستراتيجية محددة يلتزم بها الجميع كبرنامج سياسي، هذا يشمل الشعب الكردي أيضاً، وأستطيع القول أنه هناك قناعة تشكلت الآن بين جميع القوى السياسية الكردية ونوابها في مجلس النواب لاتفاق شراكة نعمل جميعناً من أجل صياغته ونحدّد فيه رؤيتنا السياسية الواضحة بما يحقق فعلياً الدولة الديمقراطية التي نتطلع إليها. فأنا أعتقد بأن مشاكل العراق الحالية مرتبطة بإنعدام الثقة وعدم وجود برنامج سياسي واضح
* برأيكم ماهي أسباب عدم تنفيذ إتفاقية أربيل؟
- الإتفاق بحد ذاته تضمن بعض التوصيات للحكومة والقوى السياسية للإلتزام بها. وقد تم الإلتزام ببعضها، وبعضها الآخر لم ينفذ، ولكن جوهر الإتفاق الذي تم الإلتزام به هو الحكومة التوافقية الحالية، وبناءً على ذلك يجب أن تكون الحكومة حكومة تمثل جميع القوى بمعنى أن تكون حكومة تشاركية من جميع الأطراف والمكونات.
* بعد ساعات من الإنسحاب الأمريكي من العراق طفت مشكلة كبيرة بين أطراف الحكومة العراقية، ألا تعتقد بأن إحتمالات إندلاع القتال الداخلي وتقسيم العراق سينتج عن هذه الأزمة؟
- لا أحب أن يتحدث المرء عن هذه الأمور بمثل هذه السطحية، فقد وقعت مشاكل أكبر بين سنوات 2006-2008، وكنا في ذلك الوقت نعيش في أجواء ومخاطر تقسيم العراق وإندلاع الحرب الداخلية بين المكونات ولكن لم يحدث هذا ولم ينقسم العراق، صحيح أننا اليوم نشهد المزيد من القتل والتفجيرات والمفخخات والإغتيالات وأحداث مؤسفة كثيرة تقع هنا وهناك، فما يحدث اليوم لم تشهد مثله أي دولة أخرى بالعالم، ولذلك يجب على المكونات العراقية كافة أن تعمل لإنهاء هذا الوضع وأن تواجه الإرهاب والتطرف، وأعتقد بأن جميع الأطراف السياسية في العراق بما فيهم الكرد يسعون لحل هذه المسائل والسعي للقضاء على الإرهاب وبناء الدولة الديمقراطية الموحدة تحكمه سيادة القانون والدستور لكي نحقق الأمن والرفاه للمجتمع العراقي ككل.
* ماهو الهدف من عقد المؤتمر الوطني في بغداد؟ وما هو الدور الكردي فيه؟ وهل تعتقدون بأن هذا المؤتمر سيتمخض عنه مصالحة وطنية شاملة وتحقيق التعايش بين جميع أفراد الشعب العراقي؟
- ليس هناك مؤتمر يستطيع أن يحقق كل شيء ويعالج جميع مشكلات البلد، لدينا بعض المشاكل التي أدّت الى أزمة، وهناك مشاكل جدية وستراتيجية، يجب أولاً أن يسعى المؤتمر الى حلها وأن يجمع القوى كافة لتعمل معاً من أجل حل الخلافات القائمة. فلو عالجنا مشكلاتنا الأساسية لن نواجه أية أزمة خطيرة، ولكن لو غضضنا النظر عن مشاكلنا اليومية فإنها ستتراكم وتتحول الى أزمات يصعب علينا حلها أو مواجهتها لاحقاً، علينا أن نبحث عن جذور أزماتنا لكي لانتعرض الى مالايحمد عقباه، وهذا سيتحقق عبر الحوار والتفاهم داخل وخارج مجلس النواب ووفقاً للسياقات الدستورية. كما يجب أن نسعى من خلال مجلس النواب الى تغيير الدستور الحالي وأن نضع ستراتيجيات جديدة؛ لكي يشعر جميع الأفراد والمكونات والأحزاب السياسية بأنهم أصحاب هذا البلد وأنهم ليسوا مهمشين وبأنهم جزء من هذا البلد وأمامهم فرصة لإعادة بنائه وتحقيق الرفاهية لشعبه.