مقدمة

   ضمن إطار اهتمام وزارة الموارد المائية بقضايا المياه على المستوى الوطني، وترجمة لجهودها الرامية لتفعيل دور البحث العلمي وإشراكه في إدراة الموارد المائية في العراق، أقامت الوزراة برعاية السيد الوزير الدكتور حسن الجنابي مؤتمرها العلمي الثاني تحت شعار "الإدارة المتكاملة للموارد المائية لتحقيق التنمية المستدامة والامن المائي في العراق" للفترة من 26-27 تموز 2017 في محافظة ميسان – فندق كورميك.

 

الهدف

   هدف المؤتمر الى إتاحة الفرصة لالتقاء العاماء والباحثين والعاملين في قطاع الموارد المائية وتبادل العلوم والمعارف في المجالات ذات الصلة والإفادة من الدراسات والبحوث والتقنيات الحديثة فضلاً عن تبادل الخبرات والرؤى بين متخذي القرار والخبراء والعلماء بهدف الوصول الى تكاملية وشمولية الحلول للمشكلات ذات الصلة بالمياه.

محاور المؤتمر

تناول المؤتمر عدداً من المحاور الهادفة الى الخروج بتوصيات قابلة للتطبيق:

- المياه الدولية السطحية والجوفية المشتركة.

- التغيرات المناخية وتأثيراتها على الموارد المائية وإدارة الجفاف.

- إستثمار المياه الجوفية.

- إستصلاح الأراضي.

- الأعشاب المائية وأضرارها على الثروة المائية.

- إستخدام نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد في إدارة الموارد المائية.

- السدود.

- الاهوار.

- نوعية المياه. 

 

وقد شارك في المؤتمر طيف واسع من الباحثين والمختصين من مختلف الوزارات والجامعات والمراكز البحثية الذين قدموا ما يربو على خمسين بحثاً مقسمة على المحاور أعلاه، فضلاً عن مشاركة تشكيلات وزارة الموارد المائية بعروض تقديمية عن نشاطات كل منها في هذا الصدد.

وفيما يلي نص الكلمة التي القاها الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد المستشار الأقدم لرئيس الجمهورية ووزير الموارد المائية الأسبق في المؤتمر.

.....................................................

معالي وزير الموارد المائية الدكتور حسن الجنابي المحترم

السيدات والسادة الحضور المحترمون

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته  ..

 

يطيب لي أن أهنئكم على جهودكم الحثيثة في عقد المؤتمرالعلمي الثاني لوزارة الموارد المائية وسط ظروف سياسية واقتصادية أقل ما يقال عنها أنها صعبة وأن لا حلّ يبدو متاحاً في المستقبل القريب. فالعراق بلد له ارتباطات اقتصادية وسياسية وحتى مائية معقدة مع أغلب جيرانه إن لم يكن جميعهم. وجميع هذه الارتباطات ألقت بظلالها القاتمة أحياناً كثيرة على وضع المياه في العراق وبالتالي على دورة الحياة في الزراعة والصناعة والمعيشة المتعلقة بحياة الناس؛ لما للمياه من دور أساسي في مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في جميع انحاء العالم وكذلك الحال في العراق كما هو معلوم.

في الأزمان القديمة لم تكن تلك المشكلات "الجيوسياسية" لتؤثر على وفرة المياه في بلاد وادي الرافدين حيث نشأت أولى الحضارات السومرية والبابلية والاشورية على ضفاف نهريه العظيمين دجلة والفرات قبل آلاف السنين. وقد رافق تلك الحضارات الكبرى قيام أولى المنشآت الهيدروليكية والسدود وقنوات الري وسن القوانين التي تنظم استخدام مياه الانهر، ومنذ القدم أتقن العراقيون القدماء هندسة الري فقاموا بحفر الجداول والقنوات الاروائية وبرعوا في بناء السدود والخزانات وتمتعوا بخبرة جيدة في دراسة الموارد المائية.  

 

 لقد تشكّل العراق القديم والحديث اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً بتاثير نهري الفرات ودجلة، إذ إنّ الإنسان القديم وكما هو معروف قد نشأ في وادي الرافدين مهد الحضارات، وقد كان تدفق نهر الفرات منذ ذلك الحين وحتى منتصف سبعينات القرن الماضي وجريانه في العراق صوب الخليج عاملاً أساسياً في تنمية المجموعات البشرية، وكذلك في إنشاء وتطوير النظام البيئي الأهم في المنطقة؛ ألا وهي الأهوار الواقعة في بلاد ما بين النهرين جنوب العراق.  

 

لقد كان الماء ولايزال مهماً في تأريخ الشعوب وكذلك العراق وتنميته ولأجل فهم مايحمله المستقبل للعراق علينا ان ننظر الى السياسات المائية في العراق والتحديات التي تواجهه في استثمار الموارد المائيه.

 

عانى العراق - كبلد مصب - ولا زال يعاني الإهمال وقلة الموارد المائية الواردة من دول المنبع، كما أن معدلات تدفق المياه الى العراق غير مستقرة وفي تناقص بسبب سياسة وتصرفات دول الجوار كبناء السدود والمنشآت التخزينية، والمشاريع الإروائية وبناء المحطات الكهربائية في كل من تركيا وايران وسوريا بالإضافة الى احتباس الأمطار وندرتها في العراق ودول أخرى عديدة. أدّى جميع ذلك الى الشحة الشديدة في المياه والى ارتفاع مستوى الملوحة وقلة الإنتاج الزراعي فضلاً عن التدهور البيئي والى انكماش في غلاف طبقة الأراضي الصالحة للزراعة وازدياد احتمالات التأثر السلبي بالتغييرات المناخية. وهنا نؤكد أن خيارنا الستراتيجي هو الدخول مع الدول المجاورة لنا في حوارات جادة وسلمية لتحقيق اتفاقات لتقاسم المياه طويلة الأمد على أساس تحقيق المصلحة المشتركة، وقد وُضِعت الحلول العملية لتحقيق اتفاقات تقاسم المياه وتشمل النقاشات الجادة اتفاقات وتبادل المعلومات فيما يخص الإجراءات التشغيلية للسدود وزيادة إطلاقات معدلات المياه الى دول المصب، إنّ خريطة الطريق السياسية والتقنية ستكون ضرورية لتحقيق الإتفاقات النهائية بين الدول المتشاركة في الأنهر عموماً ونهر الفرات على وجه الخصوص وكذلك اشعار العراق عن الخطة التشغيلية لموارد المائية من دول الجوار.

 

لقد تعثرت إدارة الموارد المائية داخل العراق لعقود طويلة؛ نتيجة لسياسة التخبّط التي انتهجها النظام السابق والدخول في صراعات داخلية وحروب اقليمية ودولية والحصار الاقتصادي اضافة الى عدم تخصيص المبالغ اللازمة لاعمار البنى التحتية وتنفيذ المشاريع التنموية وغياب الستراتيجيات الواضحة للنهوض بالواقع الاقتصادي والتنموي في البلاد ادى ذلك الى تردٍ كبير في القطاعات الخدمية المختلفة، كما أن قرارات البت في العديد من المشاريع الستراتيجية الضخمة كانت بدوافع سياسية أكثر من كونها حلولاً فنية مع الادارة الضعيفة للبلد تقريباً في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والخدمية والتنموية؛ الأمر الذي حمل معه تأثيرات سلبية كبيرة على الواقع الاقتصادي والتنموي في البلاد وخصوصاً في قطاع المياه.

 

تقع على عاتق وزارة الموارد المائية مسؤولية كبيرة في توفير وتأمين المياه للري والزراعة وبقية المجالات الحيوية الأخرى،ومن أجل إنجاح مهام الوزارة، نرى أن تقوم الأطراف المعنية ممثلةً بالحكومة ووزراة الموارد المائية والوزرات والمؤسسات العلمية والفنية بالعمل على ما يلي:

 

 

  • العمل على إيجاد ادارة قوية وفنية في مجال الموارد المائية.
  • تشكيل هيئة عليا أو مجلس أعلى للمياه يكون تحت قيادة رئاسة الوزارء ووزارة الموارد المائية، يضم في عضويته الخبراء والمختصين في الموارد المائية والقوانين الدولية من وزارات الخارجية والتخطيط والزراعة والأمن الوطني والكهرباء ومجالس المحافظات والبلديات.
  • تمكين الشخصيات العلمية الكفوءة والنزيهة من قيادة الإدارات واستلام المفاصل الحساسة في هذا القطاع المهم والمرتبط مباشرة بالأمن الغذائي وحاجة الناس اليومية الى خدمات المياه.
  • الاستفادة من الدراسات السابقة وإعداد دراسات علمية وفنية جديدة وشاملة تضم مسحاً لجميع مصادر المياه السطحية والجوفية داخل العراق، ووضع خارطة مائية يمكن من خلالها إدارة هذا الخزين الستراتيجي من المياه وكيفية إستثماره وفقاً للظروف المناخية والسياسية فيما يتعلق بتصرفات دول الجوار والعمل على تأسيس إدارة مستدامة للموارد المائية المتاحة، مع تنفذ بنود سياسات حماية البيئة والنظم الإيكولوجية، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ للمناخ وهطول الأمطار وتساقط الثلوج والجفاف آثار خطيرة. وفي هذا الصدد ينبغي تطوير ستراتيجية طويلة المدى لإصلاح قطاع المياه وإدارتها، في ظل ظروفٍ تشكو أساساً من ندرة المياه الدائمة، سواء كان ذلك بسبب تأثير تغير المناخ أو إدارة المياه والخطط التنفيذية للبلدان المتشاطئة.
  • إدامة اللقاءات مع دول الجوار تركيا، إيران وسوريا للوصول الى اتفاقات تقاسم مياه عادلة جداً لضمان وصول المياه في الزمان والمكان المناسبين، خصوصاً وأنّ الزراعة بطرق الري التقليدية لا تزال هي المعتمدة في أغلب مناطق العراق. وإذا ماكانت الدول المعنية غير قادرة على حل هذا المسألة، فإنّ العراق مستعد لقبول وساطة دولية، يمكن من خلالها الاستعانة بتحكيم طرف ثالث محايد، لبلورة خارطة طريق تحقق الاتفاقات المناسبة لتقاسم المياه.
  • تثقيف المزارعين بعدم الإعتماد على طرق الري التقليدية في المقام الأول والتي تسبب هدراً كبيراً في الواردات المائية، ومن الطبيعي أن يؤثر انخفاض الموارد المائية على الأمن الغذائي بصورة مباشرة، وخاصة المواد الغذائية المنتجة محلياً. وفي نفس الوقت، وعلى الرغم من أنّ واقع إنتاج الغذاء في العراق متدهورٌ أساساً، فإنّ حدود العراق مفتوحةٌ على مصراعيه الاستيراد جميع أنواع المواد الغذائية من الدول المجاورة بصورة غيرمحدودة، متسببةً بحرمان الإنتاج الزراعي العراقي من المنافسة العادلة. وعليه يجب العمل على تطوير طرق الري واعتماد التقنيات الحديثة كالرش والتنقيط في الزراعة من أجل تقليل الهدر الهائل في المياه واستغلال كل قطرة ماء بشكل يمكن معه تحقيق الإكتفاء الذاتي وبالتالي الأمن الغذائي.
  • تطوير الشبكات الإروائية من الناحيتين الفنية والتكنولوجية ويجب التركيز على إعادة التأهيل والبناء والتشغيل والصيانة لمحطات الضخ في جميع أنحاء البلاد التي تشمل إعادة تأهيل أو إستبدال المضخات فضلاً عن أعمال التشغيل والصيانة، كما يجب الإهتمام الواسع بمشاريع إستصلاح الأراضي من خلال إنشاء مشروعات جديدة وإستكمال المراحل المتبقية من المشاريع القائمة إضافة الى إعادة تأهيل شبكات الري والصرف الصحي والمبادرة الى البناء في مجالات شبكات تصريف المياه والقيام بأعمال تبطين القنوات وكري قنوات الري وتوصيل شبكة الصرف الصحي بشبكة تصريف المياه الرئيسة أو المصب العام.
  • إدامة العمل في إنعاش وتطوير منطقة الأهوار، وهو عمل إنساني وواجب وطني تقع مسؤوليته على الجميع دون إستثناء وعلى الحكومة إقامة البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية ودعم الصناعات التقليدية والإقتصاد المحلي في تلك المناطق النائية وتوفير الرصد البيئي والمحافظة على كمية ونوعية المياه من أجل إثراء التنوع البيولوجي في تلك المحمية الطبيعية وحماية البيئة والنظم الإيكولوجية ذات الصلة ومحاربة التصحّر والتنسيق مع دول المنطقة من أجل السيطرة على هذه الظاهرة الخطيرة.
  • يجب أن تتظافر الجهود في حل مشكلة تلوث مياه الانهر والبحيرات ومصادر المياه الاخرى التي تتسبب بها المياه الراجعة من الاستخدامات الزراعية والصناعية والمدنية من خلال زيادة نسبه الاملاح والعناصر الثقيله اضافة الى التلوث البكتيري والمجاري فالتطور السريع والواسع في أعالي النهرين وخاصة نهر الفرات في كل من تركيا وسوريا أدى الي تردي نوعية المياه. إن تلوث مياه الأنهر هي مشكلة حقيقية لا يجب التغافل عنها أو إعطاءها قدر أقل من الاهمية.
  • إن الإحتياجات الإستثمارية في قطاع الموارد المائية هائلة جداً، أخذين في الإعتبار الإهمال المتعمّد الذي مارسه النظام السابق بحق مرافق الدولة عموماً وبالذات قطاع الموارد المائية. فيجب والحالة هذه أن يولى الإستثمار الشطر الأكبر من الأهمية خصوصاً مع تقليل حصص الوزارت من الموازنة العامة للدولة بسبب انخفاض أسعار النفط.
  • وضع خطة علمية مدروسة بغية التقليل من الهدر الحاصل للمياه بسبب طرق الري والأحواض الخاصة بتربية الاسماك والعمل الجاد على وضع برنامج علمي للاستفادة من كميات المياه الهائلة من خلال إعادة تدوير المياه.

 

ختاماً أتمنى لمؤتمركم أن يحقق أهدافه المرجوّة وللقائمين عليه الموفقية والنجاح.

والسلام عليكم ..