د. عبد اللطيف جمال رشيد
المستشار الأقدم لرئيس الجمهورية
وزير الموارد المائية الأسبق
تشكل الديمقراطية المنهج الفكري والعملي الذي اختطه الاتحاد الوطني الكردستاني منذ تأسيسه وخصوصا بعد التحرر من الدكتاتورية البشعة، حيث تعزز اقتران مبدأ الديمقراطية بالنسبة للإتحاد الوطني بين كون الديمقراطية خياراً أساسيا من أجل بناء العراق الديمقراطي الاتحادي وبين كون الديمقراطية منهاج عمل داخل تنظيمات (الاتحاد الوطني) على مختلف المستويات وفي جميع فعالياته.
فمن المعروف والمسلّم به أنه لا يمكن بناء الديمقراطية من دون أحزاب ديمقراطية، تعتمد التقاليد الديمقراطية ليس في مجال الفكر والتخطيط لبناء دولة ديمقراطية ومجتمع ديمقراطي وإنما أيضا في بناء الهيكل التنظيمي وفي تنظيم فعاليات الحزب واختيار قياداته وترشيحهم على أسس العمل الديمقراطي المعروفة والمعمول بها في جميع الأحزاب التي تؤمن بعمق بالديمقراطية كمنهج حياة وتعمل من أجل ترسيخ هذا المنهج.
إن الديمقراطية بإطارها الصحيح والجاد هي ما يضمن التقدم والتطور سواء للدول والمجتمعات أو للأحزاب التي تضبط الديمقراطية فيها اختلافات الرأي والتوجهات كما تحافظ على تماسك التنظيم من خلال التمسك بتقاليد العمل الديمقراطي.
الديمقراطية نظام يحمي نفسه بنفسه ويصونها من أخطار الارتداد عليها ويحفظها من الجمود والتكلس، ولكن كل هذا يبقي مقترنا بشرط توفر الارادة الحيوية والمؤمنة إيمانا عميقا بالديمقراطية ليس كحل فقط وإنما كمنهاج عمل في مواجهة التحديات.
وخلال مسيرة الاتحاد الوطني الكردستاني كان الايمان عميقا بالديمقراطية سواء في العمل التنظيمي الداخلي أو في صلة الاتحاد بالحياة السياسية ومؤسساتها في إقليم كردستان وعموم العراق.
ومؤخرا حين واجه الاتحاد الوطني مسألة تباين وجهات النظر داخل قيادته في قضية انعقاد مؤتمره العام في موعده المحدد أو تأجيل ذلك فإن (الإتحاد الوطني) تعامل مع هذا المفصل المهم بروح العمل الديمقراطي التي ترسخت في تقاليد الاتحاد وعززت العمل فيه، حيث جرى الاستماع إلى رأي تنظيمات الحزب بمختلف المستويات واتخاذ القرار المناسب والصحيح في ضوء موقف شبه موحد وبالأغلبية الساحقة.
لقد اتخذ هذا القرار في ظرف استثنائي يمر به (الاتحاد الوطني)، مع وجود الرئيس مام جلال في خارج البلد لمواصلة علاجه بعد أن منّ الله تعالى بتشافيه من المرض المفاجئ.
ويأتي هذا تعبيراً عن حكمة وحسن تدبير تنظيمات الاتحاد الوطني وفي تفهّم واضح وإيجابي للحظة التاريخية التي يمر بها الاتحاد، كما هو تعبير عن ترسيخ تقاليد الديمقراطية واللجوء إليها في المفاصل الحساسة.
إن الفترة الفاصلة بين الترتيب لانعقاد المؤتمر العام الرابع للحزب حتى اختتامه وتنفيذ القرارات التي ستصدر عنه وبين إجراء الإنتخابات البرلمانية العامة هي فترة قصيرة للغاية لا تسمح بعمل التحضيرات اللازمة والإستعداد لخوض الإنتخابات البرلمانية العامة فضلاً عن انتخابات مجالس المحافظات في إقليم كوردستان.. ويمكن القول بثقة بأن نتائج الإنتخابات المقبلة ستكون مهمة جداً وخاصةً بالنسبة لدور الإتحاد الوطني في المستقبل.
إن الديمقراطية مع وجود ثوابت أساسية فيها إلا أنها ليست وصفة عمل جاهزة للتطبيق في كل زمان ومكان، فما يمكن أن يصح ويشتغل في مناسبة معينة وظرف ما قد لا يصح في مناسبة وظرف آخر، وهذا من محاسن خيارات الديمقراطية كنظام عمل وحياة وتفكير ديناميكي وحيوي لا يخضع للثبات ولمقاييس المسطرة.
ويأتي خيار اعتماد القيادة الجماعية في تصريف شؤون العمل السياسي والتنظيمي، في هذه الفترة التي يعالج فيها أمين عام الاتحاد، تعبيراً عملياً عن الانسجام والتفاهم على أسس الديمقراطية وعلى الشعور العالي بالمسؤولية الحزبية والوطنية، مع أننا نميل إلى خيار توسيع القيادة الجماعية من ثلاثة قياديين إلى خمسة أو سبعة، وهذا ما يسهل عمل القيادة ويحسم الكثير من المواقف في إطارها.
كذلك يجب العمل بشكل أكبر على تكثيف الحملات الإنتخابية للعمليتين الإنتخابيتين القادمتين, الإنتخابات البرلمانية العامة وانتخابات مجالس المحافظات في الإقليم, وتقديم برامج عمل واقعية تستجيب لتطلعات الناس وهمومهم وتحقق مطالبهم في الأمن والخدمات والقضايا الأخرى.
إن واحدة من أفضل النتائج التي يصل إليها أي تنظيم حزبي هي أن تكون لحظات الامتحان مناسبة للتوثب ولتعزيز التقاليد الإيجابية وصيانة وحدة الموقف واستقلالية القرار السياسي.