د. عبد اللطيف جمال رشيد
لايختلف اثنان على ان الاتفاق الشامل الجذري بالاستناد الى الدستور والقوانين المشرعة عبر مباحثات بناءة موضوعية بعيدا عن التشنج ومحاولة لي الاذرع، السبيل الوحيد والامثل لانهاء الخلافات والمسائل العالقة بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية.
يشير تاريخ المفاوضات الكردية مع الحكومات المتعاقبة في العراق الى امور عدة، وهي ان اي من الطرفين لم يحصلا طيلة العقود السابقة، على ما كانوا يصبون اليه، وعلى الطرفين دراسة الواقع بموضوعية وتقديم تنازلات متبادلة للتوصل الى حلول مرضية تصب في الصالح العام.
العراق الجديد الذي كان الكرد عنصرا اساسيا وفاعلا في بنائه، ما زال التشتت والمحاصصة والاملاءات الخارجية تخيم على سياسة بعض من احزابه وقواه السياسية، لذا فان على الطرفين، ان يضعا ذلك نصب اعينهم، اذا ما كانا ينويان ان يخوضا مفاوضات ناجحة، وان يضعا المصالح العامة وقوت الشعب بعيدا عن التنافس والصراعات الشخصية والحزبية، ويحددا الاهداف والخطوط العامة، لأية جولة تفاوضية جديدة، ينبغي ان تبنى على اساس مراعاة الامن والاستقرار والمصالح العامة للبلاد.
العراق القوي المقتدر هو العراق الذي ينبغي، ان تكون فيه الجبهة الداخلية قوية متوازنة منسجمة في اطار يحترم فيه الكل الدستور، الذي وافقت عليه وشاركت في كتابته جميع المكونات.
توصل الاقليم وبغداد الى اتفاق سياسي واقتصادي واداري محكم طويل الامد سيؤدي دون شك الى اغلاق الباب امام التدخلات والاملاءات الخارجية، ويمنع دول الجوار والاقليم من استمرار تصفية حساباتهم على ارض الدولة العراقية، وهو ما يصب بالنتيجة في خدمة الشعب.
ما يحصل الان من تشكيل لجان مشتركة وفرق فنية للبدء بجولة مفاوضات جديدة بين الجانبان نأمل أن يكشف عن وجود رغبة حقيقية لدى الطرفين لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة، خصوصا في ظل تشكيل حكومة جديدة في بغداد، واخرى في الاقليم التي تحظى بدعم واسع من قبل الحزب الديمقراطي والقوى السياسية المشاركة في حكومة الاقليم.
اقليم كردستان الذي خاض تجربة فاشلة في اطار سعيه لتحقيق الاستقلال الاقتصادي مستندا الى تقديرات وحسابات خاطئة لبعض مسؤوليه، يسعى الان لمعالجة الاخطاء الكارثية التي ارتكبها في هذا المسعى، بحلول ترقيعية لاترتقي الى حجم الازمة والاعباء الملقاة على عاتقه، تجاه المواطنين في كردستان، ودوره في العراق، الذي يشارك في عمليته السياسية وحكومته وبرلمانه.
وبقدر ارتباط مفاتيح انهاء الازمة بمعالجة المشاكل العالقة مع بغداد، فهي مرتبطة بمدى قدرة الاحزاب والقوى الكردستانية على تطويق المشاكل الداخلية والصراعات والتشنج بين القوى والاحزاب الكردستانية، لأن توحيد الصف الكردي وانهاء الخلافات والفتور وعدم الثقة بين القوى الكردستانية، يمثل الجانب الاخر والضمانة الحقيقية في طريق ايجاد حلول طويلة الاجل مع بغداد عبر تشكيل وفود من ذوي الخبرة والكفاءة في مختلف المجالات السياسية والقانونية والاقتصادية وألادارية.
الاحزاب والقوى السياسية الكردستانية والعراقية التي تعاني من ازمة داخلية تتمثل بخسارة ثقة الشعب، وازمة اختلافات وخصومات وتنافس سياسي عقيم، وكل منها يعمل على تحميل الاخرين الاخفاقات والفشل ونسب المنجزات لنفسه، انشغلت بتنافس داخلي وصراعات عقيمة وتحقيق مكاسب مالية وتجارية متجاهلة، ما يدور حولها من تطورات خطيرة في العراق والمنطقة، التي ستضع دون شك اوزارها وتأثراتها السلبية على اقليم كردستان بالمصاف الاول، الذي يرتبط بحدود طويلة ومصالح تجارية واقتصادية، ويؤمن اغلب احتياجاته اليومية من دول الجوار اذا لم يتم التهيؤ لها.
اذا ان انعدام وحدة الموقف والاختلاف في وجهات النظر والتخاصم والتباين في الرؤى ادى بالكرد والقضية الكردية الى التراجع وفقدان جزء كبير مما بني خلال الاعوام ال 16 السابقة بعد سقوط النظام السابق وخصوصا في كركوك، التي تدفع الان ضريبة اخطاء القيادة الكردية وانشغالها بتحقيق مصالح شخصية وحزبية عوضا عن ترسيخ مبادئ التعايش والتفاهم بين مكونات المدينة.
ولايمكن ان نعتبر جميع الوفود التي زارت بغداد من الاقليم ولم تكلف نفسها بالبقاء هناك لانقول لاسابيع بل لايام، مهنية تتعامل مع الواقع والمتطلبات الوطنية والقومية، بعيدا عن التحزب والمصالح الشخصة والتأثيرات الداخلية والخارجية.
كما ان على الحكومة الاتحادية والاحزاب والقوى السياسية العراقية من جانب اخر، ان لا تتعامل مع المطالب والمستحقات الادارية والمالية للاقليم وفقا للبعد الاقليمي والخلافات الحزبية للقضية، وان تضع المسالة في نصابها الداخلي وحق المحافظات والاقاليم والمواطنين فيها بالرواتب والخدمات والبنى التحتية، بعيدا عن الصراعات السياسية والتنافش والخصومات الشخصية.
الواردات التي يمتلكها العراق من مختلف الثروات النفطية والغاز والمياه وغيرها لا ينبغي، ان تكون خاضعة لجهة سياسية او حكومة بحد ذاتها، لأنها ملك للاجيال الحالية والقادمة، والتي ينبغي ان توضع في سياق عملية تنمية مستدامة تخدم البلاد، وان لا تكون القرارات في تحديد مصيرها خاضعة لجهة محددة او حزب، او مكون بعينه، دون العودة الى الحكومة الاتحادية والشعب.
لاشك بان توصل حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية الى تشريع حلول مناسبة لملف النفط والغاز كبداية سيفتح الباب امامها على مصراعيه لمعالجة ملفات لاتقل تعقيدا عن ملف الثروات، وهي المناطق المتنازع عليها والبيشمركة والمادة 140 من الدستور، وسيطلق يدها، اذا ما كانت جادة للتفرغ لمعالجة الآفة الاكبر التي تهدد كيان الدولة العراقية ووجودها وتعرض مكتسبات الاقليم كذلك الى الخطر، وهي آفة "الفساد"، الذي تواجه الحكومات العراقية المتعاقبة ما بعد عام 2003 تساؤلات جدية وتهم باهدار واختفاء مبالغ طائلة من موازناتها السنوية، الذي تقدره بعض المنظمات المختصة بمليارات الدولارات، دون ان يتم تقديم المتورطين الحقيقيين الى المحاكم والقضاء، او ان يتم حصر الامتيازات المادية للقيادات السياسية، الذي ادى الى تماديها وسيطرة بعض الاحزاب والمسؤولين والمجاميع المسلحة على مفاصل ومؤسسات حيوية في البلاد، وتسخير تلك الثروات لتحقيق مكاسب وامتيازات شخصية و حزبية على حساب الشعب والجماهير.
لذا فان حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية الان امام امتحان حقيقي جديد امام الشعب اولا والمجتمع الدولي ثانياً للتوصل الى بداية جديدة، ووضع قدميهما على اول الطريق في بناء وانتهاج خطط وبرامج عملية، بعيدا عن الاملاءات الخارجية و المذهبية والتشنج لمعالجة المسائل العالقة بين الاقليم والحكومة الاتحادية.