ترجمة المحاضرة التي ألقاها د.عبد اللطيف جمال رشيد المستشار الأقدم لرئيس الجمهورية ووزير المــوارد المائية السابق في (المعهد الملكي للشؤون الدولية) الذي أقام ورشة عملٍ لمجموعة خبراء (Chatham House) للفترة من 17- 18 ديسمبر / 2013 في دولة الكويت.. تناولت السياسات التي تؤثر على استخدام الغذاء والماء وحجم الخبرة المتوفرة في عملية فرض الرسوم على مياه الري.

تقييم الموارد الحيوية: الغذاء, كلف الطاقة والماء والخيارات السياسية في الخليج.

د. عبد اللطيف جمال رشيد

المستشار الأقدم لرئيس الجمهورية

وزير المــوارد المائية السابق

يعتبر العراق خير مثال على ما يمكن أن يطلق عليه بالترابط الوشيج بين الماء, الغذاء والطاقة, فهي جميعاً مترابطة من الناحيتين الإنتاجية والإستهلاكية, والضغوط الموجودة الآن على هذه الموارد تؤثر على حالة الإستقرار بشكلٍ جدي, خاصّةً وإنّ هناك خطر متزايد جرّاء الصراع من أجل السيطرة على مصادر المياه القليلة أساساً إمّا بسبب تدني مستوى المياه أو عدم التعاون عبر الحدود أو إرتفاع معدلات النمو السكاني.

إن عدم وجود تعريف متفق عليه دوليا للأمن المائي هو مشكلة بالنسبة للعراق, وقد تم الإتفاق على تعريف منظمة الأغذية والزراعة (فاو) على مستوى العالم بشكل عام, ولكن لم يتم الإتفاق على كيفية الحصول على المياه وبالتالي إمكانية تحقيق الأمن الغذائي. على سبيل المثال، يمكن للري أن يزيد إنتاجية التربة بنسبة 400%, ولهذا السبب, فإنّ ضمان الحصول على المياه هو أمرٌ حيوي للغاية.

في العراق يعتمد المزارعون على طرق الري التقليدية في المقام الأول، وهي طرقٌ تسبب هدراً كبيراً في الواردات المائية, ومن الطبيعي أن يؤثر انخفاض الموارد المائية على الأمن الغذائي بصورة كبيرة، كما أن بناء السدود وخزانات المياه في تركيا, سوريا وإيران يزيد من هذا التأثير بصورة خطيرة. وبالمقابل فإنّ تقديرات المنظمة الدولية (فاو) تشير إلى أن 20-30٪ من كلفة طعام العائلة اليومي مرتبط بالطاقة الكهربائية. وقد يكون هذا التقدير في العراق مضاعفاً بسبب آثار الحروب والدمار الواقع على المنشآت الكهربائية وإخفاق السلطات في حل أزمة الكهرباء المزمنة في البلاد.

يواجه العراق تحدياً خطيراً في القضايا التي تخص الأمن المائي, فنسبة سكان منطقة (الشرق الأوسط) تبلغ حوالي 15٪ من سكان العالم، وكمية المياه العذبة هي حوالي 1٪ فقط من مجموع المياه في بقية أنحاء المعمورة. كما أنّ عملية توافر المياه تتعلق بمواسم معينة, فما نسبته 75% من تدفق الأنهر يكون ما بين شهري شباط وحزيران وما يقرب من 10% فقط خلال فترة الطلب القصوى على المياه ما بين تموز وتشرين أول. وحيث أن الزراعة تستحوذ على حوالي 87% من إستخدام المياه, فإنّ هذه الكمية المحدودة تشكل ضغطاً هائلاً على إمدادات المياه.

كذلك يجب على الزراعة أن تتنافس مع عدة مطالب, كالسيطرة على الفيضانات, إمدادات المياه الصناعية وخدمات البلدية, الطاقة الكهرومائية وإصلاح البيئة المتمثلة بإعادة إنعاش الأهوار. ونتيجة لذلك فإنّ إنعدام الامن المائي مرتبطٌ بقضايا بأمن الغذاء والطاقة والتي يوضح بشكل جلي (التلاحم الوشيج بين الماء, الغذاء والطاقة).

كدولة مصب, تأثر العراق كثيراً منذ سبعينات القرن الماضي وبشكلٍ سلبي من مشاريع بناء السدود في دول المنبع المجاورة. كما أن الحرب العراقية – الإيرانية والغزو الأنجلو – أمريكي عام 2003 تركت آثارها السلبية على قطاع المياه والبنى التحتية لمشاريع الري.

في الوقت الذي كانت فيه الطاقة الكهرومائية تغطي حوالي 25% من حاجة البلاد للطاقة خلال تسعينات القرن الماضي, فإن الإنتاج إقترب من 30% فقط من الطاقة التصميمة للسدود والنواظم في السنوات العشر الماضية.

ومن المرجّح أنّ التغيرات المناخية بالإضافة إلى الاستهلاك المتزايد للماء من قبل دول المنبع والدول المتشاطئة ستؤدّي إلى خفض العائدات المائية بشكل حاد, علاوةً عن التأثير المباشر للمنشآت المقامة حالياً على مصادر المياه والمشاريع المستقبلية الأخرى للغرض نفسه. كما أن بناء السدود وإقامة نواظم تحويل المياه من قبل دول المنبع قد أثر سلباً على عجلة الزراعة في العراق من خلال تقليل معدلات المياه الواردة الى البلاد.

يجب على العراق مضاعفة إنتاجه من الغذاء الأمر الذي لا يمكن تحقيقه حالياً بسبب النقص الموجود في الطاقة الكهربائية إضافة الى المياه, وعلاوةً على ذلك فإن هذا النقص قد أثّر على الجانب الاستهلاكي أيضاً, وقد أدّى هذا الى تتحمّل الحكومة الكلفة الباهظة لـ (البطاقة التموينية) والقيام بدعم إنتاج الغذاء باعتماد نظام استبدال عائدات النفط بالغذاء الذي إستفادت منه العوائل الفقيرة في الفترة المبكرة ما بعد الحرب, ولكنها, ومنذ ذلك الحين لم تعد فعّالةً بما يكفي وتحتاج الى معالجة جذرية للأسباب التي تحد من كفائتها, ومنها:

  • تعديل القوانين واللوائح المتعلقة بشراء المواد الغذائية.
  • عدم وجود الخدمات اللوجستية المناسبة مثل النقل ومستودعات تخزين المواد الغذائية الحديثة.
  • عدم اسقرار الوضع الأمني في بعض مناطق البلاد.قامت الحكومة العراقية باتخاذ عدد من الخطوات لمعالجة القضايا المتعلقة بالأمن المائي, فقد فرضت رسوم استخدام المياه على المزارعين عام 1995 وتم تحديده لاحقاً في عام 2004 حيث إنّ السعر المفروض على الدونم الواحد (2500م) مابين 500 إلى 2500 دينار عراقي حسب طريقة الري وبإشراف كادر من وزارة الموارد المائية على عملية الجباية. وتدار طرق الري وأساليبها الجديدة مع التوصيات الأخرى للمزارعين كالإرشاد الزراعي من قبل وزارة الزراعة. اتخذ العراق خطواتٍ جادة من أجل إنشاء المجلس الوطني للمياه بغية تعزيز قطاع المياه، وإدخال وتنفيذ إصلاحات جذرية على هذا القطاع في أنحاء البلاد كافة.
  • أخيراً, نودُّ أّْنْ نؤكّد على الضرورة القصوى لاتفاقات تقاسم المياه مع دول الجوار، وخاصةً تركيا وإيران لضمان وصول المياه في الزمان والمكان المناسبين, خصوصاً وأنّ الزراعة بطريقة الري التقليدية لا زالت سائدة وهي المصدر الرئيس للغذاء في العراق. كما أنّ الستراتيجية العراقية الطويلة الأمد الخاصة بإصلاح قطاع المياه وإدارتها تحتاج الى تنسيق شامل مع تركيا وإيران لمعرفة توقعات الطلب على المياه وكذلك خطط إدارة المياه للدول المتشاطئة مع العراق.
  • يحتاج النظام برمته إلى إصلاحات جذرية قبل أن يتم إحتساب التكلفة الفعلية والقيام بعملية قياس المساحات. وقد بذلت السلطات المختصة جهداً كبيراً لتحصيل تلك المبالغ خلال عامي 2004 و 2005 وبصعوبة كبيرة, علماً أنّ كلفتها أقل بنسبة 50٪ من التكلفة الحقيقية التي تتحملها الدولة. وخلال عام 2006 تم إرسال طلب إلى مجلس الوزراء لتأجيل تحصيل تلك الأموال حتى إشعار آخر, ولا يزال هذا التأجيل ساري المفعول.
  • إنّ عملية تحسين كفاءة البطاقة التموينية ليست سهلة, والنظام البديل لها سيكون بتقليل مفرداتها والتركيز فقط على فئات من السكان مع تدنّي مستوى المعيشة للفرد الواحد وتعويض هذه الفئات بإعانة نقدية تماثل نظام الضمان الإجتماعي.

[printfriendlyArabic]

السيرة الذاتية

small02
ولد في 10 آب 1944 في السليمانية ، العراق
اقرأ المزيد

بروشور

بروشور-1024x724