د. عبد اللطيف جمال رشيد

المستشار الأقدم لرئيس الجمهورية

وزير الموارد المائية السابق

حــزيــران 2014

بات مؤكداً أن الانتخابات التشريعية الوطنية التي أجريت هي انتخابات من المؤمل أن تخرج بنتائج مهمة ومؤثرة في مسار العملية السياسية وعملية بناء مؤسسات الدولة وتطور الديمقراطية في العراق.

ومهما تكن نتائج الانتخابات فإن طبيعة الصراع بين القوى الفائزة وسعي كل منها إلى تشكيل حكومة وسلطات أخرى في ضوء فهمها وبرامجها وتوجهاتها هو صراع يحمل الكثير من النتائج التي ترتبت على العلاقة بين القوى والكتل خلال السنوات الأربع الماضية.

لقد انتهت السنوات الأربع الماضية وكان الانقسام والاختلاف فيها أكبر من عوامل الالتقاء والانسجام بين الأطراف البرلمانية التي تشكلت الحكومة من معظمها، ولن يكون متوقعاً أن تنطوي هذه الخلافات والمشكلات بانطواء تلك السنوات وإنما ستمتد الخلافات لتلقي بظلالها على الجدل الذي سيجري من أجل تشكيل الحكومة التي نتمنى أن تقوم على إختيار العناصر الكفوءة والنزيهة وأن تبتعد عن المحاصصة وتوزيع المقاعد, وكنا نأمل أن لا يتصدر مواقع المسؤولية من لم يقدموا الخدمات في الفترة الماضية. واليوم ينبغي على الكتل السياسية وجميع الأطراف المشاركة في العملية السياسية التركيز على برنامج الحكومة للمرحلة القادمة لتثبيت الامن ومحاربة الفساد بكافة أشكاله وان تصب القرارات الحكومية والتشريعات في مصلحة الجماهير وبحسب ما أقرّه الدستور العراقي من أجل النهوض بالوضع المعيشي للفرد وتحقيق العدالة الإجتماعية بين المواطنين لا على ملء المقاعد القيادية في الدولة وتوزيع المناصب فقط.

النتائج الانتخابية نفسها لم تأت لتكون حاسمة لصالح طرف من الأطراف، وهذا أيضاً ما لن يحصل في أي انتخابات أخرى مقبلة في ظل طبيعة تركيبة المكونات والقوى السياسية الأساسية في البلد، لكن هذا هو ما سيجعل عملية الاتفاق على توزيع السلطات وتشكيل الحكومة عبارة عن مسار معقد وصعب ومليء بالتوقعات المختلفة.

لقد انتهت السنوات الأربع الماضية بخلافات كانت على أكثر من مستوى، فهناك الخلاف بين مكونات التحالف الوطني الذي تشكلت الحكومة منه، وهناك خلاف أساس بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان وهناك خلاف ثالث بين الحكومة وبين أطراف تمثل المكون السني في البرلمان.

ولعل المشكلة الأعقد هي في ما ترتب من نتائج على تلك الخلافات التي تطورت من مستوى خلاف بين قوى سياسية بشأن المشاركة في الحكومة والبرلمان إلى خلافات ذات طابع عملي تعلقت بخصوص الصلة بين بغداد وكردستان بقضايا استراتيجية حول المناطق المتنازع عليها وانتاج وبيع النفط وملف البيشمركة وميزانية الإقليم، وهذا نموذج واحد وهو مفصلي ومهم لأشكال الخلافات ليس بين المركز والإقليم وإنما بين مختلف الأطراف والتي أخفت في طياتها خلافات أخرى جوهرية كالتفاهم على الدستور وتعديلاته المطلوبة والوضع الأمني والخدمي والتشريعات الأساسية التي ظلت معطلة.

ومن الصحيح أن طبيعة نظام المحاصصة كانت سبباً في الكثير من المشكلات لكن من الصحيح أيضاً أن لا شيء في الأفق يوحي بالانتهاء من هذا النظام التحاصصي، وهذا ما يجعل التفكير والثقة بإمكانية إيجاد الحلول العملية تفكيراً غير واقعي وثقة في غير محلها.

ولعل الكلام عن حكومة أغلبية سياسية هو محاولة لإيجاد حلول عملية وسعي للخروج من أزمة. فلن يكون بالإمكان الحصول على مثل هذه الأغلبية من دون (تحالفات) وهي التسمية الرقيقة للمحاصصة، ولكن في مقابل هذا الفهم الواقعي لكلام الأغلبية السياسية فإن من الواقعية أيضاً أن لا يجري إهمال أهمية هذا الكلام الذي يؤكد أبعاد الأزمة في النظام السياسي وإدارة الحكم في البلاد ويبحث عن حل عنها. وهذه هي مهمة (التحالف الوطني) نفسه، إذا فعلاً استمر التحالف كطرف مشكِّل للحكومة، في صياغة برنامج مقنع للجميع يأخذ بالحسبان عثرات الفترة السابقة ويضع الحلول الصحيحة لها والتي تتناسب وقناعات الجميع ومصالحهم المشتركة.

خلال متابعتنا الإنتخابات البرلمانية عموماً وخصوصاً في إقليم كوردستان حيث جرت أولاً إنتخابات برلمان كوردستان ولاحقاً إنتخابات البرلمان العراقي إضافة الى انتخابات مجالس المحافظات للإقليم, لاحظنا ان النتائج في المرحلة الاولى (إنتخابات برلمان كوردستان) لم تكن في صالح الإتحاد الوطني الكوردستاني الند السابق القوي للحزب الديمقراطي الكوردستاني وحصول حركة التغيير على عدد مقاعد أكثر من الإتحاد, لقد كانت أسباب هذا التراجع واضحة ومنها بعض السياسات الخاطئة للإتحاد وعدم مراعاة القيادات السياسية لاستقلالية القرار السياسي فضلاً عن اتخاذ القرارت السريعة والغير مدروسة لترضية الأطراف السياسية الاخرى.

وفي الإنتخابات البرلمانية الأخيرة تعزّزت فرص الإتحاد الوطني بالفوز ورجع منافساً قوياً للحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد أن حصد ما يقارب ضعف الأصوات التي حصل عليها في الدورة الانتخابية الماضية بفضل دعم الجماهير الكوردية وكفاءة الكوادر الجديدة وعدم اشتراك الكثير من القيادات الحزبية (وخاصة عدد من أعضاء المكتب السياسي) في الحملة الإنتخابية ويكفي أن نذكر أن الإتحاد الوطني في عام 2010 لم يحصل سوى على 13 مقعد فقط.

التفاهم الإيجابي بين مختلف الأطراف يتطلب أولاً أن يفهم كل طرف من الأطراف بواقعية وبروح إيجابية طبيعة صلته ومشكلاته مع الآخرين من شركاء الوطن والعملية السياسية، وهذا مبدأ أساس من مبادئ الشراكة، وحين ننجح بالفوز بمثل هذه الروحية من التفاهم نكون قد وضعنا الأساس لخلق قاعدة تفاهم وطني تخفف من تأثير العامل الإقليمي والدولي في مستويات الحراك المختلفة في البلاد.