لا اجد وصفا للتجاوزات والاعتداءات التركية المستمرة على اراضي وسماء وقرى وقصبات اقليم كردستان، واخرها قصف مجمع مخمور للاجئين وجبال زيني ورتي، الا ان اضعها في خانة الحقد الشوفيني العنصري للحكومة التركية، التي يقودها حقدها الاعمى ضد الكرد الى استهدافهم اينما وجدوا.
ان الاوضاع الاستثنائية التي يواجهها العالم والعراق واقليم كردستان على حد سواء جراء تفشي فايروس كورونا رغم صعوبتها وفداحة خسائرها البشرية والمادية، الا انها منحت الجميع، حكومات وشعوبا، حكاما ومعارضين من قوى اليمين اواليسار، رأسماليين واشتراكيين، فرصة للتكفير عن ذنوبهم ومراجعة سياساتهم السابقة واعادة صياغة العلاقات بعيداً عن لغة العنف والقتل والدمار، والركون الى الحوار والتفاهم لمعالجة المشاكل والازمات، التي تعصف بالعالم وفي مقدمتها منطقة الشرق الاوسط.
وبينما تنشغل الحكومات والمنظمات والمجتمع الدولي بالبحث عن حلول لمشاكلها الداخلية الادارية والاقتصادية والمالية والمعيشية، التي خلفها انتشار فايروس كورنا والبحث عن علاج ولقاح طبي يقي شعوبها من هذا الوباء العالمي الخطير، ما دفع بالمجتمعات الى تجاوز خلافاتها القومية والحزبية والجغرافية والمذهبية حتى الطبقية والسعي لتحقيق مزيد من التكاتف لتجاوز الجائحة وبناء جسور التواصل التي حطمتها الاطماع والاحقاد، نجد ان الحكومة التركية مدفوعة باحقاد وشعارات قومية بالية ما زالت تفضل الحرب على لغة الحوار، وتلجأ الى الخيارات العسكرية والحرب بدلا من اشاعة السلام والتفاهم، محملة بذلك المنطقة وشعبها واقتصادها ومنظومتها العسكرية تبعات حرب لا طائل منها، ضد شعب اعزل همه الاوحد ان يعيش بسلام على ارضه المسلوبة.
التجاوزات المستمرة للحكومة التركية على سيادة العراق وأمنه عبر قصف جوي ومدفعي واجتياح بري أودى بحياة المئات من سكان القرى والارياف، وهجر ورحل سكان العشرات من القرى في اقليم كردستان، اضافة الى اختراق اراضيه واقامة العشرات من المقار والثكنات العسكرية والاستخبارية، بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني، فضلاً عن انه يكشف زيف الادعاءات التركية، فهو ايضاً يضعها امام طائلة المساءلة الدولية على خلفية الانتهاكات المستمرة لمبادئ حسن الجوار والاعراف والقوانين الدولية.
كما انه يضع الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان امام تساؤلات حقيقية ويجعلهما مسؤولين عن الدفاع عن ارض وشعب كردستان وباقي مناطق العراق وعدم التغاضي عن قتل ابنائها بدم بارد من قبل الاتراك، دون ان يكون لهما رد فعل ينسجم مع حجم الكارثة والاكتفاء بالاحتجاجات والتنديد.
حكومة الاقليم التي تسعى لكي تكون ممثلة لشعب كردستان ومدافعة عن حقوقه، فضلت ان تدفن رأسها في الرمل مرة اخرى، واكتفت بلعب دور المتفرج على قتل الابرياء، على ان تصدر بيان واضحا تدين فيه القصف الذي اودى بحياة المواطنين، وهو اضعف الايمان.
وكان يفترض بحكومة الاقليم، ان تطالب المجتمع الدولي ومجلس الامن وحلف الناتو بتحميل تركيا تبعات الاضرار والخسائر البشرية والمادية والمعنوية للقصف الجائر المستمر على اراضي الاقليم، بدلاً من تحميل جهات واحزاب سياسية كردية مسؤولية الخروقات المستمرة للحكومة التركية.
استقدام حكومة الاقليم وحدات من قوات البيشمركة الى منطقة زيني ورتي في مواجهة قوات كردية اخرى في هذا التوقيت بحجة الحد من تهريب مواطنين ايرانيين الى داخل الاقليم قد يكونون مصابين بفايروس كورونا، اضافة الى انه تبرير غير مقبول فانه يضع الاقليم امام خلافات داخلية عميقة، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه الى وحدة الكلمة والموقف في مواجهة التحديات الصحية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عما يمر به العراق، الذي نحن جزء منه من ظروف حرجة تتطلب ان يكون للكرد فيها دور بارز في لملمة شتات العملية السياسية والنهوض بها من جديد.
وهنا نجد بانه بات لزاما على الحكومة التركية التي تواجه أزمات ومشاكل داخلية لا تعد ولا تحصى، ان تفتح حوارا سياسياً مع حزب العمال الكردستاني، اذا ما كانت حريصة على شعبها لمعالجة المسألة الكردية في تركيا عبر الحوار والتفاهم، بدلا من استمرار نزيف الدم والاموال، كما ان على اردوغان ان لايستثني في عفوه عن السجناء جراء كورونا الافراج عن السياسيين الكرد والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني الذي يقبعون في السجون التركية منذ سنوات دون تهمة او جرم او انتهاك للقوانين.
وعلى اردوغان ان يدرك ايضاً بان استخدام القوة والالة العسكرية والتدخل في شؤون الدول لن يقهر ارادة الشعوب، ولن يثنيها عن الاستمرار بالمطالبة بحقها في الحرية والديمقراطية.