د.عبد اللطيف جمال رشيد

المستشار الأقدم لرئيس الجمهورية

وزير الموارد المائية الأسبق

أعاد إنخفاض أسعار النفط وما رافقه من مشاكل اقتصادية ومالية خصوصا في بلد مثل العراق الحديث عن النفط كثروة ناضبة وتحديات الطاقة البديلة.

واذا ركزنا الكلام عن النفط بوصفه ثروة ناضبة تقترن بعمر زمني محدد لكل بلد منتج للنفط فاننا في العراق نبقى آخر المهتمين بنضوب النفط وبالمصير الذي لا نريد مواجهته حينما ينتهي النفط.

فعلى مدى عقود بقي الخبراء المختصون وبقي معهم السياسيون باختلاف انظمة الحكم يرددون إن آخر برميل نفط ينتج في العالم سيكون عراقياً وذلك اعتمادا على ان العراق سيظل يحتفظ بآخر خزين نفطي في العالم تحت أرضه. وكما ذكر وزير النفط الدكتور عادل عبد المهدي في مؤتمر الطاقة الذي عقد في الكويت في 21/1/2015 إذ قال (بغض النظر عن النسبة التي تحتلها مصادر الطاقة الاحفورية لكن معدلات الطلب عليها سترتفع خلال السنوات العشر القادمة .. وبناءً على التقديرات الحالية فإن الطلب على النفط سيستمر بالإرتفاع بمعدل 1,2-1,5 سنوياً وقد يصل الطلب الى 105-110 مليون برميل يومياً في 2025. وإن قطاع النقل وسيارات الشحن والسيارات الخاصة ستلعب دوراً مهماً في زيادة الإستهلاك .. فحسب تقديرات سابقة ستتضاعف ففي الصين بمفردها ملكية السيارات بخمسة أضعاف خلال الفترة 2010 – 2025 وهذا يعني أن 220 مليون سيارة ستدخل السوق للفترة المذكورة).

وسواء نضب النفط غداً او بعد غد أو بعد قرن فالسؤال الاكثر اهمية هو ماذا فعلنا من اجل خلق بدائل؟ آخذين أيضاً بالإعتبار تصريحاً آخر في الكلمة نفسها حين أشار الى أن (أسعار النفط العالمية شهدت انخفاضاً كبيراً، هو الاول من نوعه منذ خمسة اعوام، ما ادى الى تضرر العديد من البلدان بينها العراق).

والبدائل التي نبحث عنها بالسؤال اعلاه هي ليست بدائل الطاقة البديلة التي يكثر الكلام عنها وانما نبحث عن البدائل الاقتصادية والمالية التي لا تجعل اقتصاد الدولة ريعيا معتمدا في كل شيء على ثروة طبيعية ستنتهي ان اجلا ام عاجلا.

ففي الغرب وفي انحاء العالم المتقدم الذي لايملك معظمه البترول كان الكلام طيلة عقود يتركز على البحث عن مصادر اخرى للطاقة غير الطاقة النفطية التي يتمركز الحصول عليها في مناطق محددة من الكوكب الارضي، وهي مناطق تصدر النفط لتلك الدول المتقدمة ولغيرها من الدول الاخرى بأكثر مما تستهلكه منه محليا.

وبرغم التقدم في بعض المجالات التي تمكن العلم فيها من تحقيق تقدم ملحوظ في مجال صنع الطاقة البديلة وفي اكتشاف مصادر جديدة لها غير مسبوقة كاعتماد الطاقة النووية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية أو اعتماد الكهرباء بديلا عن الوقود في حركة السيارات فإن هذا التقدم الذي تواصل على مدى عقود لم ينجح حتى الان في ان يكون طاقة تفرض الاستغناء نهائيا عن طاقة البترول ومشتقاته التي لم تزل هي الطاقة الاساسية في عالمنا المعاصر.

ولذلك فان الكلام الان وفي هذه اللحظة التي نواجه فيها ازمة حادة في تدني اسعار النفط هو كلام في معظم الاحيان غير عملي ويمكن تصوره كوسيلة للتخلص من مسؤولية مواجهة حقائق اكثر اهمية واكثر خطورة تمس جوهر النظام الاقتصادي والمالي القائم على الاعتماد كليا على البترول كمصدر اساس للدخل. وكان الأجدى البحث عن حلول جذرية في مواجهة مثل هكذا أزمات وفق تصورات بعيدة المدى.

وفي الحقيقة نحن لانملك المستوى العلمي والصناعي المتقدم الذي يؤهلنا للانشغال في هذه الظروف بكلام غير مناسب عن الطاقة البديلة. سواء كان هذا الكلام يريد لنا مصادر جديدة للطاقة او انه يريد تحذيرنا من الخطر الذي يهدد نفطنا واعتمادنا عليه.

ان السؤال الاكثر اهمية الان هو سؤال اقتصادي وليس سؤالا صناعيا. وحتى اذا بقي التركيز على السؤال الصناعي فاننا سنظل ندور في اطار سؤال اقتصادي حين نتساءل ويجب ان نتساءل: ماذا عملنا من اجل تطوير الصناعة النفطية نفسها؟

انتجنا النفط ولكن ماذا عملنا من اجل تكرير النفط؟ ومن اجل تطوير صناعة نفطية لم نتقدم فيها خلال عقود وها نحن نعود اخيرا لنعتمد من اجل سد حاجتنا اليومية على استيراد مشتقات النفط من دول مجاورة لنا وذلك بسبب توقفنا في مجال هذه الصناعة عند ما بنيناه قبل عقود بعيدة نسبيا.

ان هذا التساؤل عن تاخر الصناعة له نتائجه على الاقتصاد وذلك على اكثر من مستوى سواء بما نهدره من اموال لاستيراد حاجتنا اليومية من مشتقات البترول ونقلها وتوزيعها أو بتعطيل الكثير من الايدي العاملة التي كان يمكن لها ان تعمل في هذه الصناعات وتؤمن عيشها من دخلها فيه.

واقتصاديا لم نعمل حتى بما عملت به بعض من دول الجوار المنتجة للنفط حين فكرت بمحدودية عمر خزين النفط واحتمال نضوبه وانشغلت هذه الدول بتأمين حقوق الاجيال المقبلة من هذه الطاقة وعملت على اكثر من مستوى من اجل حفظ حق الاجيال وذلك بالتوفير المالي لها من عائدات النفط او بتطوير الاقتصاد وتنويعه وبما يجعل ثروة النفط المحدودة والانية اقتصاديا ثروة دائمة عبر تحويلها الى مشاريع مالية وصناعية واقتصادية دائمة.

من الممكن ان نجعل من هذه الازمة المالية مناسبة للمراجعة، وستكون السلطات النفطية مطالبة بالعمل على تطوير الصناعة النفطية، في ما سيكون على البرلمان العمل الجاد من أجل تشريع قانون النفط والغاز، بينما على الحكومة العمل بمختلف مؤسساتها لغرض فتح افاق الاستثمار وتشجيع القطاع الخاص بالحقل الصناعي وكذلك تطوير ادائها في مجال تنويع مصادر الدخل وعدم الابقاء على اقتصاد قائم على النفط.

إن اعتماد العراق وكذلك إقليم كردستان على النفط فيها مسؤولية سياسية واقتصادية ومالية ويفترض الإعتماد على نصائح وتوصيات الخبراء في هذا المجال, ونظراً لأهمية النفط كعامل أساسي في اقتصادنا فينبغي إشراك عدد كبير من المستشارين والخبراء في المجالات الإقتصادية المتعلقة بالسوق النفطي فضلاً عن الأمور الفنية الأخرى.

وكما أشرنا سابقا وفي اكثر من مناسبة فإن النفط ملك الشعب والأجيال القادمة وإن التصرف به ليس من حق مجموعة من المسؤولين أو جيلٍ بعينه, بل يجب ان تكون جميع القرارات الستراتيجية المتخذة من قبل ممثلي الشعب مدروسةً بشكل يضمن حقوق الجميع وتأخذ في نظر الإعتبار مصالح الجيل الحاضر والأجيال المستقبلية.

إن التركيز على الصناعة النفطية وفي كافة المجالات مسالة في غاية الأهمية من أجل تحسين الإقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل لشريحة كبيرة من المواطنين. كما يجب التركير على تشريع قانون النفط والغاز بشكل مدروس وتفصيلي وبشكلٍ تتساوى فيه حقوق العراقيين جميعاً فضلاً عن ضمان حقوق الأقاليم والمحافظات كافة بدلاً عن الإتفاقيات الآنية والتشريعات المؤقتة.

[printfriendlyArabic]

السيرة الذاتية

small02
ولد في 10 آب 1944 في السليمانية ، العراق
اقرأ المزيد

بروشور

بروشور-1024x724