د.عبد اللطيف جمال رشيد
آب 2015
مرت على سقوط النظام الدكتاتوري في عام 2003 أكثر من 12 عاماً, والى ما يتجاوز العقد قبل ذلك التاريخ تحرّر إقليم كردستان من ربقة ذلك النظام الإستبدادي, ولم تزل القوى والشخصيات السياسية التي وصلت إلى السلطة تواصل بقاءها في المواقع المتقدمة في إدارة الدولة في البرلمان وفي الحكومات المتعاقبة.
لم تحصل سوى تغيرات نسبية لا تأثير فعلي لها في الحياة السياسية، ولم تؤثر كثيرا في نوعية المشهد السياسي ولم تحدث تغييرا نوعيا في مستوى الأداء والتفكير العملي.
إن معظم الذين غادروا مواقعهم غادروها مرغمين، سواء عبر نتائج الانتخابات أو نتيجة تغير موازين وطبيعة العلاقات داخل القوى السياسية.
لم نجد من يغادر الحياة السياسية بقرار منه لأنه لا يستطيع أن يستمر في عمله لأي سببٍ كان, أو من حزبه لأنه فشل في أدائه الحكومي أو البرلماني، بينما تؤكد طبيعة نتائج الأداء الحكومي والبرلماني خلال السنوات الماضية أن مساحة الفشل أكبر من أن يمكن تغطيتها والتستر عليها.
والمشكلة الأسوأ التي تواجه جديّة الطبقة السياسية بمختلف تشكيلاتها ومراجعها هي أنها طبقة تعمل مع الأسف الشديد وسط بيئة فساد مصنفة على أنها من أخطر وأتعس بيئات الفساد في العالم، ولم تنجح هذه الطبقة في أن تحصن نفسها وتمنع سوء الظن بها من التفاقم وذلك لأنها لم تقدم حتى الآن مفسدين كباراً إلى القضاء ولم تتخذ اجراءات فعلية ضد هؤلاء المفسدين, بل على العكس من ذلك نرى ونسمع بمطالبات الفاسدين وعلى شاشات التلفزيون بإجراءات محاربة الفساد كي يعطوا إنطباعاً لدى الجمهور بأنهم ليسوا فاسدين.
لا يقتصر الفساد على الجانب المالي، فالفساد في البناء السياسي والإداري للدولة هو من الأسس الكبيرة التي قام عليها الفساد المالي بعد 2003. ولعلنا جميعا مسؤولين عن فساد بناء الدولة، وهو فساد إن شئنا تخفيف لهجته فهو فشل في البناء والادارة والقيادة، فشلنا جميعا نحن الذين أتيح لنا أن نكون بمواقع القيادة في ادارة الدولة والتحول نحو البناء الديمقراطي الاتحادي للدولة.
لقد انشأنا نظاما تحاصصيا ضاعت معه المسؤوليات. إنه نظام يحمي الفشل، ويجعل الفاشلين بمنأى عن طائلة القانون.
ليس هناك ما هو أكثر من الرقابات الموجودة في نظام إدارتنا الحكم والدولة، ولكننا جعلنا من هذه الرقابات غطاء تمر من تحته جميع أشكال الفشل والفساد الذي نخر وما زال ينخر هيكل الدولة ويشوه الأهداف المبدئية لبناء دولة ديمقراطية وحرة وعادلة.
ولعلنا وبعد هذه التجارب الإنتخابية العديدة التي خضناها خلال هذه السنوات ما بعد 2003 ومن دون قانون للأحزاب, قدمنا التعبير الأكثر مباشرةً ووضوحاً عن تلازم الفساد والفشل، وإلا كيف نتقدم إلى بناء ديمقراطية من دون قانون ينظم الحياة الحزبية؟ لقد استمر تأجيل تشريع هذا القانون وسيستمر تأجيله طويلاً ما دام الفساد يتحكم بكل شيء وما دام أن ليس هنا من إرادة حقيقية وجادة للانتهاء من الفشل الذي حطم كل شيء.
أين قانون النفط والغاز؟
هل هذا ممكن في بلد نفطي يريد الانتهاء من الدكتاتورية الشمولية؟
لقد وضعتنا أزمة اسعار النفط الأخيرة أمام بشاعة ما فعله الفساد والفشل بالمليارات من دولارات النفط، وها نحن نستعين بالتضييق على الشعب من أجل انقاذنا من هذه المحنة التي جرى بموجبها اتلاف المليارات ونهبها وسوء التصرف بها. إن المحنة الحالية هي تعبير بالغ القسوة عن الفشل السياسي الذي وقعنا فيه جميعاً.
وأين خبراء النفط في بلاد أغلب مدخولها المالي من بيع النفط, وأين صناعة النفط الذي نحتاجه في كل مفاصل الحياة اليومية, تلك الصناعة التي تلعب دوراً هاماً في تقليل التوتر بين المركز والإقليم. لكن هل يكفي الاعتراف بالفشل لنتخلص أخلاقيا وقانونيا من التبعات التي يجب أن نكون مسؤولين عنها جميعا أمام الشعب والقانون؟ هل من جديد في هذا الاعتراف الذين بتنا لا نتردد في الاقدام عليه؟ ماذا يضيف من معلومات لشعب يعرف كل شيء؟
لقد خلقنا الازمات, ومسؤوليتنا الآن تشخيص هذه الأزمات قبل العمل الحقيقي لتجاوز ما يمكن تجاوزه منها.. ولكن السؤال الأكثر جوهرية: هل هذا ممكن من طبقة سياسية هي التي صنعت الفشل ومعه انتفع بعضها من الفساد؟
ففي بعض الحالات نرى بعض الشخصيات الحزبية تترك المناصب الحكومية والتنفيذية في الدولة إمتثالاً للشروط التي فرضتها سياسة المحاصصة, وهم في واقع الحال السبب الرئيس المعرقل للحكومة لتطبيق برنامجها في التنمية, وتحاول هذه الشخصيات إيهام الآخرين بأن وجودههم في مفاصل الدولة هو حل لمشاكلها ولا يجرؤون على الإعتراف بفشلهم في القيام بأعباء مسؤولياتهم, وهذه الحالة موجودة في الإقليم وبقية العراق. واتخذ كثيرٌ منهم قراراتٍ سياسية واستثمارية وتنموية ستراتيجية بدون القيام بدراسات جدية تاخذ المستقبل بعين الإعتبار, كما فشل البعض الآخر في الإنتخابات وحصلوا على نتائج قليلة جداً لأحزابهم نتيجة نهجهم السئ في الإدارة وطموحهم الشخصي ومع ذلك يعتبرون أنفسهم قد نجحوا في قيادة الدولة.
ويمكن إجمال ما تقدم من حديث بالمؤشرات التالية والتي نرى أن الوقوف عند سلبيات المرحلة الحالية وتأشير مواقع الخلل فيها وإعادة النظر بمجمل الأحداث والمواقف هو خطوة مهمة من أجل تجاوزها والتقدم بالبلاد والمجمتع برغم من أن هذه المشكلات تحتاج الى مزيد من التفصيل:
- عدم نجاح قيادة الاحزاب العراقية في ادارة الدولة الجديدة من ناحية – الديمقراطية – اللامركزية – العدالة الاجتماعية – توزيع الثروات الطبيعية – تقديم الخدمات – تثبيت الوضع الامني – محاربة الفساد بكل اشكاله.
- من العوامل المهمة في حياة المجتمع: الادارة الكفوءة وميزانية الدولة والعدالة الإجتماعية.
- إن آفات الطائفية والمحسوبية ومنح الإمتيازات غير المستحقة هي الأسباب الرئيسة في عدم معالجة مشاكل الدولة المتفاقمة والسبب الحقيقي في تأخير تقديم الخدمات للمواطنين.
- يجب عدم إفساح المجال للتدخلات الخارجية في شؤون الدولة والشعب وخصوصاً من خلال لجوء بعض السياسيين والمسؤولين الحكوميين الى دول الجوار وطلب الحل عندهم دون الإجتماع على مشترك وطني يتوحد تحته الجميع واللجوء الى الحل العراقي دون الوصاية الإقليمية.
- ضرورة العمل على تطبيق او تنفيذ برنامج المصالحة الوطنية بشكل جدي وواضح بين مختلف شرائح المجتمع العراقي.
- ضرورة اعتراف قادة العراق بفشلهم وإفساح المجال لإدارة جديدة قادرة على حل المشكلات.
- وجوب تغيير نهج الأحزاب والمؤسسات السياسية بشكل يتوائم مع العالم الجديد والعمل على الاخذ بمبادئ التسامح والديمقراطية الحقيقية والعدالة الإجتماعية وعلى كافة الصعد.
- التأكيد على أنّ المناصب وجدت لخدمة المجمتع وليست إمتيازاً للحكام والمسؤولين.
- تشجيع الكفاءات في إدارة الدولة ومؤسساتها وإناطة المسؤوليات بذوي الإختصاص وأصحاب الخبرة وإلغاء الإمتيازات للمسؤولين.
- ضرورة توزيع الصلاحيات داخل مؤسسات الدولة بشكل يخدم إدارة الدولة ويسهم في تقديم الخدمات بشكل أفضل وأسرع.
- إلغاء القوانين القديمة والمعرقلة لحركة الإقتصاد والخدمات والعمل وتشريع قوانين جديدة تتيح الفرصة لتنمية دور القطاع الخاص والصناعة المحلية وكذلك قطاع الزراعة.
- تغيير نهج الأحزاب والسياسيين من تركيبة القيادة المتفردة الى الإدارة الجماعية لتطبيق البرنامج السياسي والحكومي وتوزيع المسؤوليات ولفترات محدودة بعكس الأطر الكلاسيكية في إدارة الاحزاب وشؤون الدولة والحكم.
- تثبيت مبادئ الديمقراطية لأن الديمقراطية الحقيقية لا تكمن فقط في نتائج صناديق الإنتخابات, بل تحتاج الى أن تترسخ ثقافتها في وعي وضمير المجتمع وعلى مستوياته كافة.