نص الترجمة الكاملة للمقابلة التي أجرتها مجلة (Global Water Intelligence)* مع الدكتور عبد اللطيف رشيد** المستشار الأقدم لرئيس الجمهورية أثناء مشاركته فعـاليـات مؤتمر الميـــاه العــالمي الذي عقد في

العاصمة الإيطــاليـة رومـا للفترة من الثلاثين من نيسان ولغاية الأول من آيـــار 2012.

تحدث الى (Global Water Intelligence) الوزير السابق للموارد المائية الدكتورعبد اللطيف جمال رشيد قائلاً: بينما اخذت إمدادات المياه بالتحسن, فالبنى التحتية لمياه الصرف الصحي هو التحدي الكبير المقبل.

من المقرر أن يُصبح الإنفاق على الصرف الصحي من الأولويات في جمهورية العراق, إذ إن البلاد تتطلع الى أن تتخلص من إرث نقص الإستثمارات الذي جعل البلاد واحدةً من اسوأ المتقاعسين من حيث نوعية المياه.

في مقابلة مع المجلة الخاصة بوكالة المياه الدولية Global Water Intelligence قال الدكتور عبد اللطيف رشيد (الوزير السابق للموارد المائية والمستشار الحالي لرئيس الجمهورية) بأن العراق لديه خططاً طموحة لجلب المياه ولتحقيق مستويات عالية في معالجة مياه الصرف الصحي من الممكن أن تصل إلى المستوى المقبول بالنسبة لعدد السكان الحاليين في غضون السنوات الخمس المقبلة، على الرغم من الصعوبات التي تواجهها البلاد.

وقال موضحاً "بالنسبة لما تبدوعليه الأمور حالياً، فإن البلاد تحتاج في الحد الأدنى الى وضع900000 تسع مائة ألف متر مكعب يومياً من قدرة معالجة مياه الصرف الصحي فقط للتعامل مع نسبة مياه الصرف الصحي المنخفضة نسبياً والتي يتم تجميعها حالياً في البلاد" ولا تزال الكمية الأكبرمن مياه الصرف الصحي لم تجمع بالشكل الصحيح، والبلد فيها أكثر من 30 مليون شخص في الوقت الحالي ولديهم فقط 700,000 سبعمائة ألف متر مكعب يوميا من قدرة معالجة مياه الصرف الصحي.

ومن جانب معالجة المياه, فإن حوالي 60٪ فقط من السكان في الوقت الحالي يمكنهم الحصول على المياه الصالحة للشرب والتي تم معالجتها بمستوى مقبول. إن المعالجة هي مشكلة إستثنائية بالنسبة للعراق بسبب سوء نوعية المياه وخاصة في نهري دجلة والفرات. ففي عام 2009 كان هناك عقد كبير لمصنع يعالج المياه بقدرة 910,000 تسعمائة وعشرة آلاف متر مكعب يومياً في بغداد مُنِحَ لشركة (Degrémont) وخصص ملياري دولار آخرين لمشاريع مماثلة في أنحاء العاصمة على مدى السنوات الخمس المقبلة, وفي جنوب البلاد مياه النهر هي غير صالحة للاستخدام من الأساس ومدينة البصرة لا بد أن يتم نقل المياه اليها بواسطة قناة من مناطق المنبع الأقل ملوحة.

حالياً, لدى حكومة البلاد ميزانية تقدر بـ 3 ثلاثة مليارات دولار سنوياً للإنفاق على المياه والصرف الصحي ضمن النفقات المخصصة للعاصمة وتعمل بشكل كبيرعلى تحسين سجلها في مجال معالجة مياه الصرف الصحي, فضلا عن السعة الجديدة المطلوبة، فإن الكثير من البنى التحتية القائمة تعود الى عقود وبحاجة الى تحسين.

واحدة من المشاكل الرئيسة التي تواجهها البلاد هي تجزئة المسؤوليات التي تعمل على تحسين مستوى المياه والبنى التحتية لمياه الصرف الصحي, إذ إن المسؤولية عن سياسة المياه ومياه الصرف الصحي وتخزين وتوفير المياه بكميات كبيرة تقع على عاتق وزارة الموارد المائية, ومسؤولية شراء محطات إسالة جديدة تقع على عاتق المحافظات الى حد ما وتحت إشراف وزارة الأشغال العامة.

مراقبة جودة المياه

لدى وزارة الموارد المائية ميزانية كبيرة تنفق غالبيتها على بناء السدود والري والصرف الزراعي، مع مساهمتها فقط في إمدادات المياه القادمة من خلال الإستثمار في آبار المياه لتوفير زيادة في المياه الجوفية, يقول الدكتور رشيد إن الإعتماد قد زاد على مصادر المياه الجوفية من أجل عدم الإعتماد الكامل على مياه الأنهر, والتي توفر حالياً حوالي 95% من المياه المستخدمة في البلاد .

إن للمياه الجوفية أهمية خاصة في خطط الوزارة وذلك بسبب إنخفاض جودة مياه الأنهر في البلاد. وكنتيجة لمياه الصرف الزراعي وانخفاض تدفق المياه العذبة الداخلة الى العراق من دول المنبع يعاني نهر الفرات من ملوحة قدرها 759 سبعمائة وتسعة وخمسون جزءاً من المليون على الحدود مع سوريا وتصل إلى 3133 ثلاثة آلاف ومائة وثلاثة وثلاثون جزءاً من المليون في مدينة الناصرية، باتجاه الجنوب من المنطقة الزراعية الرئيسة. وعلى الرغم من نفقات وزارة الموارد المائية فإن التطورات الرئيسة لتحسين إمدادات المياه سوف تحتاج إلى أن تكون على مستوى محلي، حيث الحاجة الماسة للإستثمار على حد سواء في نقل المياه ومعالجتها.

ويقول الدكتور رشيد نحن بحاجة إلى حوالي 15خمسة عشر مليون متر مكعب يومياً من المياه للسكان, "في الوقت الحاضر ونتعامل فقط مع حوالي 80٪ من هذا الرقم، ونفقد 20٪ خلال التوزيع، وواقع الحال فإنّ حوالي 60٪ فقط من السكان يحصلون على المياه الصالحة للشرب، وذلك لأن شبكة التوزيع ليست مثالية".

وأضاف, في الوقت الذي تستطيع فيه إمدادات المياه الجوفية أن تلعب دورا ثانوياً، فأن الإدارة الحذرة لاستخدام المياه، وزيادة سعة التخزين من خلال بناء السدود، والتوصل إلى إتفاق ملزم بشأن تقاسم المياه مع دول المنبع على نهري دجلة والفرات هي القضايا الحاسمة لخلق إمدادات مياه مستقرة .

في الوقت الذي تم فيه إكتشاف تحلية المياه كمصدر لمياه التغذية الصناعية التي تدخل في الصناعات البتروكيمائية في جنوب البلاد, فأن متطلبات الطاقة والكلفة إلاضافية لا تعني بالضرورة بانها يمكن ان تكون حلاً مجدياً بالنسبة لدولة تعتمد على المياه السطحية الحرة.

تتطلع البلاد إلى تقطير مياه البحر كوسيلة لإعادة استخدام المياه المالحة للزراعة التي تمر بكمياتٍ هائلة من خلال نظام تصريف المياه الرئيسي. وفي أوقات الذروة تكون المياه المالحـة المترسبة والتي تمر الى الخليج عن طريق شـط العرب هي أكثر من 200 مائتي متر مكعب/ ثــانية (19 تسعة عشر مليون متر مكعب/ يومياً). ومع ذلك فان دكتور رشيد ليس مقتنعــاً بــأن هـــذا المشروع سوف يكون الخيار الأفضل لتوليد المياه.

لو كان لدينا في العراق مشاريع أفضل وإدارة أفضل للمياه بأنواعها سواء كان الري أو الصرف الصحي أو مياه الشرب, فلا أعتقد باننا بحاجة الى تحلية مياه البحر وقال " ليس لدينا تحلية مياه ولسنا بحاجة لها في الوقت الحاضر وذلك لان المياه متوفرة سواء المياه الجوفية أو مياه الأنهر، وإنها أفضل بكثير من التركيز على إدارة وتحسين البنى التحتية وخفض التلوث "

نفقات الصرف الصحي

مقارنةً مع نظام إمدادات المياه، والتي قد تلقت عبر التاريخ المزيد من الإهتمام من قبل الحكومات السابقة وقد تم والى وقت قريب تجاهل معالجة مياه الصرف الصحي نسبياً في العديد من المراكز الحضرية إما القيام بعدم معالجة مياه الصرف الصحي أو بالاعتماد على تاريخ بناءها التي يعود الى مابين عامي 1960 و 1970. واستمر الإهمال حتى عام 1990، ولم يتم تخصيص أية أموال من برنامج النفط مقابل الغذاء من أجل تحسين الصرف الصحي و بدلا من ذلك خصصّت لغير ذلك من الاحتياجات الأكثر إلحاحاً, بدأت الامور الان بالتقاط أنفاسها, وعلى أية حال فان خمسة عقود وقعت منذ بداية هذا العام.

يقول الدكتور رشيد إن نظام معالجة مياه الصرف الصحي في البلاد لا يزال إلى حدٍّ بعيد فقيراً رغم وجود عدد قليل من المناطق التي خدمت بواسطة شبكة تجميع حديثة ومنشآت معالجة المياه (أنشئتْ في الأصل على خزانات الصرف الصحي وشاحنات تجميع المياه الثقيلة وكل هذا يعتمد على طبيعة المنطقة, ونحن في الأساس لدينا طرائق بدائية للغاية وأنا أعتبرذلك من الأولويات التي يجب تحسينها, وإن الحكومة تدرك ذلك).

في الوقت الحاضر, لايُنظر الى إعادة إستخدام المياه على مستوى أعلى على إنه هدف خطير في تخطيط مياه الصرف الصحي في البلاد, وقد بُنيتْ المحمية الأولى في البلاد في عام 2008 لفيلق مهندسي الجيش الأمريكي, ولكن الغالبية العظمى من المياه المُعالجَة القادمة من محطات المعالجة في العراق يتم إرجاعها إلى البيئة الأم، أو يتم إستخدامها لأغراض الري.

السباق للحصول على التمويل

إن مسألة الإنفاق على المياه والبنى التحتية لمياه الصرف الصحي في العراق هي حقيقة مُضافة أخرى تفيد بأن القطاع لم يتمكن من حشد الإستثمارات الخاصة وبنفس القوة التي تمتلكها صناعات الطاقة والنفط والإسكان وذلك بسبب عدم وجود طريقة سهلة لاستعادة الأموال المستثمرة.

يقول الدكتور رشيد (نحن نشجِّع المستثمرين في العراق حيث يجب وضع الأموال). "ولكن من الصعب الآن على الناس الإستثمار في إمدادات المياه او الصرف الصحي, أولاً لأن رأس المال المطلوب للإستثمار كبير، وثانياً لأن إيجاد وسيلة لاسترداد هذه التكلفة ليست سهلة. كان لدينا إستثمار في الكهرباء وإمكانية إسترداد الأموال أسهل بكثير لأن كل وحدة مُباعة للحكومة هي مُسعّرة. وهذا صعب التحقيق ولكنه ممكن في إمدادات المياه والصرف الصحي. "وقال إن عدم وجود رغبة سياسية واجتماعية لدفع أي شيء هو تحفظ على إسترداد التكاليف في مجالات المياه والصرف الصحي ما يعني بأن الملكية الخاصة لا تزال خياراً غير مجدٍ.

وفي حين إن متوسط رسم إستخدام مياه البلدية منخفض وبشكل متعمد, فأنْ متوسط فاتورة المياه لشقة بغرفة نوم واحدة تعادل 2 دولاران شهرياً, واستخدام المياه لاغراض الزراعة غير مقيد اساساً, وخاصة بعد أن قررت الحكومة إن مشروع توجيه الإتهام للمزارعين سيكلفها أكثر مما هو متوقع ومن الممكن أن تثير حفيظتهم.

_______________________________

*مجلة خاصة بالوكالة الدولية للمياه غطّت فعاليات مؤتمر قمة المياه العالمي في روما 2012 واللقاء منشور في عدد المجلة المرقم المجلد 13، العدد 3 (آذار 2012) وعلى الرابط الألكتروني:

http://www.globalwaterintel.com/archive/13/3/general/iraq-invest-mass-sewerage-upgrade.html

**الدكتور عبداللطيف جمال رشيد أحد المتحدثين الرئيسين رفيعي المستوى في مؤتمر القمة العالمي للمياه والذي عقد في روما للفترة من 30 نيسان ولغاية 1 آيـــــار 2012.

*** نُشرَ اللقاء في الجرائد التالية:

- العدالة / العدد 2454 / 21 حزيران 2012.

- التيار الديمقراطي / العدد 6 / 10 حزيران 2012.

- الإنصات المركزي / العدد 5326 / 22 حزيران 2012.

- الإتحاد الكوردستاني / العدد 3029 / 24 تموز 2012.

Print Friendly

السيرة الذاتية

small02
ولد في 10 آب 1944 في السليمانية ، العراق
اقرأ المزيد

بروشور

بروشور-1024x724