د. عبد اللطيف جمال رشيد
«الثورة العراقية المندلعة في جبال كردستان»، تحت هذا العنوان وتحت شعار الحرية لكردستان والديمقراطية والعدالة والمساواة للعراقيين. ومن منطلق الدفاع عن حقوق الشعب ضد الدكتاتورية والتسلط والظلم والاضطهاد، وتخليص العراق من سياسات وتبعات نظام متسلط دموي قدم تنازلات كبيرة لاعدائه ليضمن تغاضيها عن قمع وانتهاك حرمات شعبه، تاسس الاتحاد الوطني الكردستاني عام 1975، ليمنح مجدداً الامل باستمرار الثورة الكردية والنضال السياسي والعسكري في جبال ووديان كردستان ضد النظام الدكتاتوري القمعي البائد.
ومن أجل تحقيق تلك الاهداف وغيرها من الشعارات النبيلة، ضحى الاف الشباب بأرواحهم وأبيدت مئات القرى وسجن وقتل وعذب وهجر عشرات الآلاف، ليغدو الاتحاد الوطني في غضون أشهر معدودات، مصدر الهام وأمل للشعب الكردي المناضل، الذي كان يتسابق للتضحية في سبيل الاتحاد ومبادئه النبيلة.
خاض الاتحاد خلال مسيرة تأسيسه ولحد الان تجارب عسيرة وتحديات ومصاعب جمة، تجاوز اغلبها بنجاح، وتمكن خلال فترات قياسية من تحقيق المستحيل، وفي مقدمتها النهوض بالكرد والحركة التحررية بعد نكسة وانهيار الثورة الكردية عام 1975، عقب اتفاقية الجزائر بين شاه ايران والنظام البعثي، ليتمكن من بناء أسس وركائز متينة لثورة جديدة على اطلال الثورة السابقة.
تمكن الاتحاد الوطني مدعوماً بالجماهير ونكران الذات من تحقيق العديد من الانجازات والمكاسب في مقدمتها والتخطيط وقيادة الانتفاضة الشعبية عام 1991، التي حررت مدن وقرى كردستان ومنحت الشعب الامل ومهدت لتشكيل حكومة وبرلمان كردي، لتعبُر بذلك القضية الكردية حدود كردستان والعراق والمنطقة، وتغدو الشغل الشاغل لدول العالم والمجتمع الدولي ومجلس الامن والدول العظمى.
كان الاتحاد الوطني منذ تأسيسه معروفاً بأنه حزب التضحيات والشهداء، وكانت قائمة شهدائه تزخر بالعديد من القيادات الذين كانوا يحضون باحترام وتقدير الجماهير وحبهم.
وما كانت عودة الرئيس مام جلال من منفاه الى داخل العراق لقيادة الثورة عام 1977، في جبال ووديان كردستان الى جانب عدد كبير من المناضلين، الا دليل على ان قادة الاتحاد كانوا في احلك الظروف واصعبها وسط الجماهير الى جانب الشعب في حلهم وترحالهم، يقاسمونهم مصاعب الحياة ولقمة العيش ورغيف الخبز.
لذا فان جماهير الاتحاد الوطني كانت مؤمنة بالمبادئ والاهداف التي تبناها الاتحاد منذ تاسيسه، وهي كانت داعمة ساندته في المراحل المفصلية كافة، التي شهدت انشقاقات وخلافات عميقة بين قيادته، وكانت دائمة الحرص كلما انتكس، ان تعيده الى مكانته وثقله الجماهيري، عبر اصواتها ليكون الحزب الاول او الثاني دائما على صعيد الاقليم والعراق على حد سواء.
خروج نوشيروان مصطفى وتأسيسه حركة التغيير، ومرض الرئيس مام جلال ووفاته لاحقا، افرزت العديد من الخلافات والمشاكل داخل الاتحاد، اظهرت بنحو جلي الصراع والخلافات بين اجنحته المختلفة، ما ادى الى تراجع شعبيته وتأثيره ليس فقط على الجماهير، بل وحتى على كوادره وانصاره ومؤيديه.
فبعد ان كانت له الاغلبية والاكثرية الجماهيرية من زاخو الى خانقين انخفضت شعبيته وحصل بعد جهد عسير على 18 مقعدا، من اصل 111 في انتخابات برلمان كردستان عام 2013 ، بعد ان كان الحزب الاول، ليصبح حزبا يعجز حتى عن الحفاظ على معقله «محافظة السليمانية»، التي شهدت بروز احزاب اخرى معارضة، لتصبح نتيجة لضعف الاتحاد وابتعاد قادته عن الجماهير، تنافسه حتى في اخر معقل له.
وفاة الرئيس مام جلال افقدت الاتحاد مركز قراره وعموده الفقري، وبعد ان كان حزب المواقف الصعبة والقرارات المصيرية، الذي يمثل الكرد في اجزاء كردستان الاربعة وليس الكرد في كردستان العراق فحسب، غدت قراراته متأخرة وفي بعض الحالات مهزوزة تعكس مصالح شخصية اكثر من تمثليها لتطلعات الجماهير ونبض الشارع الكردي.
طغت المصالح الشخصية والفئوية على بعض قرارات الحزب بعد وفاة الرئيس مام جلال، بفقدانه مرتكزه وعموده الفقري وتشتت قراراته، بعد ان انشغل بعض مسؤولي الاتحاد بتحقيق مكاسب مادية ومصالح شخصية وتجارية على حساب الصالح العام، ليتقاسموا موارد الحزب، بينهم على حساب الشعب وكوادر واعضاء وجماهير الاتحاد.
المؤتمر العام الرابع الذي بات الان الحديث الشاغل لكوادر واعضاء وجماهير الاتحاد ومطلباً ملحاً لاعادة بناء الحزب واستجماع هيكله التنظيمي، ولملمة شتاته بعد مرور تسع سنوات على انعقاد المؤتمر الثالث، الذي لم يكن هو ايضا بعيدا عن التشكيك والتلاعب.
والسؤال الابرز الذي يطرح نفسه الان؟ هو «هل بامكان الاتحاد في ظل الانقسام الواضح على مستوى القيادة، وابتعاده عن تطلعات الجماهير، أن يعقد مؤتمرا نزيهاً شفافاً يعكس تطلعات كوادره وانصاره ويعيده الى مكانته الطبيعية لدى الجماهير»!؟، الجماهير التي طال انتظارها واوشكت في ظل الانانية لدى بعض من اعضاء القيادة الحالية، ان تفقد الامل بعودة الاتحاد الى مكانته الطبيعية ودوره الريادي.
عمد بعض القياديين وبدون شرعية الى تأخير انعقاد المؤتمر وهم أنفسهم الذين فرضوا نفسهم على الحزب واستنفذوا موارده ورصيده لدى الجماهير، رصيد نضالي بني على اعتاب تضحيات هائلة قدمها شعب كردستان بمختلف شرائحه، وعلى اكتاف آلاف الشباب والشابات الذين ضحوا في سبيل إعلاء راية الاتحاد وكردستان.
المؤتمر الذي طال انتظاره وبات فسحة الامل الوحيدة لكوادر واعضاء الحزب باجراء التغيير والاصلاح والتجدد، وبامكانية بناء الحزب وتطهير صفوفه واعادة الثقة بينه وبين الجماهير، وتطهير صفوفه من المنتفعين، وبخلاف ذلك فانه سيقضي على الامل المتبقى لدى الجماهير، والكوادر الذي وصل بهم السيل الزبى، اذا ما كان مؤتمرا توافقيا يضمن حصص القيادة الحالية من عضوية المجلس العام المرتقب.
القيادة الحالية وبعد التراجع الكبير الذي شهده الاتحاد على مستوى كردستان والعراق والمنطقة، وخروجها في اغلب الاحيان بقرارات فردية غير مدروسة، عن البرنامج والنظام الداخلي للحزب، بات عليها ان تراجع نفسها وتعيد النظر في حجم المسؤولية الملقات على عاتقها، وان لا تستمر في التجاوز على سياسة الاتحاد ونهجه وبرنامجه ونظامه الداخلي، وتطلعات جماهيره، وان تعترف بفشلها في قيادة الحزب خلال السنوات التي تلت وفاة الرئيس طالباني، وما تبعها من تراجع خطير لشعبيته ودوره ومكانته لدى الجماهير، وان تعتذر لجماهير الحزب وترضخ لحكمه وحسابه، وتتخذ الخطوة الذي كان يفترض بها ان تعلنها منذ سنوات، وهي الاستقالة والعودة الى صفوف الجماهير، والسماح للجيل الجديد، والكوادر الشابة لاعادة الدماء والروح الى الحزب وبناء الثقة مجددا بينه وبين شعب كردستان.
وهنا ينبغي الاشارة الى ان بقاء الاتحاد ضعيفا عاجزا عن معالجة مشاكلة وخلافاته الداخلية اسيرا بيد بعض المنتفعين، لم ينعكس سلبا على اقليم كردستان فقط، بل تجاوز ذلك لتصل تاثيراته الى مختلف انحاء العراق والمنطقة ايضا، نظرا لان ضعف الاتحاد الذي يحمل مبادئ وقيم تقدمية اشتراكية ديمقراطية، ادى الى تراجع القيم والمبادئ الديمقراطية وظهور بوادر لعودة الحكم العائلي والتفرد في الاقليم.
وما كان اجراء الاستفتاء وما تبعه من تاثيرات سلبية على مستقبل الاقليم واستقلال قراره السياسي، الا نتيجة لتراجع الاتحاد ودوره في العملية السياسية ومكانته لدى الجماهير في العراق الفدرالي الديمقراطي.
لذا فان اعادة بناء الاتحاد وفقا لبرامج ومنهاج عصري حديث، والاسراع في عقد مؤتمره العام الرابع، مؤتمر للاصلاح والتغيير الجذري، بعيدا عن ولاءات الكتل الحزبية والتوافقات الشخصية والصراعات بين الاجنحة، لم يعد مطلبا ملحاً من قبل اعضاء وكوادر الاتحاد فحسب، بل تجاوز ذلك ليغدو حاجة ومطلباً جماهيريا وشعبياً ملحاً.
- وزير الموارد المائية الأسبق
22 تموز 2019