رغم إن الانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها في تشرين الأول المقبل جاءت على خلفية التظاهرات والاحتجاجات الشعبية الواسعة في عام 2019، التي أطاحت بحكومة كاملة ووضعت مجلس النواب في حالة انذار دائم لتشريع قوانين تلبي مطالب المتظاهرين خشية من ان يضعه المحتجون في جدول السلطات التي اشترطوا تغييرها، إلا إن القوى والاحزاب الحاكمة تعيد طرح نفسها باوجه واشكال مختلفة بعد ان تمكنت من ايجاد ثغرات في قانون الانتخابات الذي تشوبه الكثير من الملاحظات والمثالب.
أول ملامح النهج القديم في ادارة الانتخابات هي احاطتها بالغموض والشكوك بطريقة احبطت الامل لدى المواطنين الراغبين باجراء تغيير جذري في العملية السياسية، فموعد اجراء الانتخابات نفسه محل شك فرغم اصرار البعض على اجرائها في موعدها (10/10/2021) الا هناك مطالبات جدية بتأجيلها وحديث عن طعونات بقانونها تقدمت بها شخصيات وقوى، وينتشر التشكيك باجراءات المفوضية كما تشيع الشكوى من عدم توفر البيئة الانتخابية الآمنة والعادلة بسبب التزوير والسلاح المنفلت والمال السياسي حتى وصل الأمر الى دعوات المقاطعة المعلنة من قوى مهمة.
من الملامح الأخرى لإستنساخ التجارب الانتخابية الفاشلة، هي جهل الناخبين بالمرشحين حيث يتم تقديم أسماء عائمة في حفلات تعريفية صاخبة يقودها غالبا زعماء الاحزاب الذين قد لا يكونون مرشحين اصلا، والى جانبهم تقف وجوه مجهولة بلا تاريخ سياسي او مهني ولا برامج واضحة، بل ان العديد من الاحزاب تصر على ابقاء مرشحيها مجهولين حتى اقتراب موعد الانتخابات لتضع جمهورها وكادرها الحزبي أمام الامر الواقع فإما ينفر هؤلاء من الانتخابات كلها ويمتنعون عن المشاركة او انهم سيصوتون دون قناعة ولاءا لحزبهم بما يؤدي الى صعود شخصيات ضعيفة بلا كفاءة ولا فكر، غير قادرة على المبادرة ولا تملك الجرأة لرفع صوتها في البرلمان ولا ابلاغ قيادتها الحزبية بالواقع السياسي والمشاكل الحقيقية ليقضي النائب الضعيف الدورة البرلمانية صامتا خاملاً دون فائدة.
إن تفرد ومزاجية القيادة الحزبية في تسمية المرشحين دون مراجعة لتاريخهم وادائهم ولا لمدى شعبيتهم وبالتزامن مع غياب البرامج والمشاريع الحقيقية التي تتجاوز الوعود المائعة تدفع الى مزيد من الاحباط الشعبي، وتؤشر على التوجه مرة أخرى الى انتاج حكومة ضعيفة هزيلة تفتقر الى برنامج مدروس او مشاريع ستراتيجية، تقضي عمرها في عمليات من ردود الافعال على ما يحدث وهي تنتظر منشورات الفيسبوك او ما يفعله الشارع، او التوجهات والتوجيهات الخارجية وما يؤكد هذا التوقع هو اسراع الاحزاب الحاكمة لبحث توزيع المناصب من الآن، وذهبت بعض الاحزاب الى اعادة طرح نفس نوعية الشخصيات الموجودة في الحكم اليوم، والتمسك بها لتدفع المواطن الى التساؤل عن معنى اجراء الانتخابات اذا كانت الاحزاب ستتصرف بنفس الطريقة التي أنتجت بحر الفشل الذي نغرق فيه اليوم.
ويشكل استخدام المال السياسي واحدة من أخطر ملامح استنساخ التجارب الانتخابية الفاشلة، ما من شأنه ان يدفع بالمواطنين الى مقاطعة الانتخابات، كما فعلوا سابقا، حتى وان شاركوا بحملات الدعاية الانتخابية ليسدوا جوعهم بتأمين وجبة طعام او مبلغ زهيد يحصلوا عليه من المرشحين او وعد بالتعيين في وظيفة حكومية، فالمشاركة الشعبية بحملات الدعاية الانتخابية، لايعني بالضرورة الحضور يوم الاقتراع في المراكز الانتخابية، بل ان المواطن بات يتحين الفرص ليثأر وينتقم من الاحزاب، فهو حتى وان شارك في حملات الدعاية الانتخابية الا انه وبعد انتهاء الحفلة "يلعنهم" سرا او علنا.
خطورة استخدام المال السياسي لا تتوقف هنا بل تعني اننا مقبلون على موجة فساد جديدة لتعويض الخسائر في الحملات الانتخابية والدفع مقابل التسويات السياسية وكذلك لإسكات بعض الاصوات المعترضة.
إن العراق وفي ظل سيطرة المال السياسي والسلاح المنفلت وهيمنة وفرض سطوة الجماعات المسلحة على مراكز القرار والتحديات والظروف العصيبة التي يمر بها، هو بامس الحاجة الى اجراء انتخابات حرة نزيهة عادلة، الا ان ذلك يتطلب تهيئة الارضية الملائمة واعادة هيبة الدولة ونفوذها.