لقد اخذت وزارة الموارد المائية على عاتقها سابقاً وحالياً ان تبذل اهتماماً كبيراً في انشاء السدود في العراق وذلك منذ عام 1958 من القرن العشرين. حيث تم تنفيذ اول سد خرساني وهو سد دوكان على الزاب الصغير ونظراً لتقلص الموارد المائية في نهري دجلة والفرات التي تاثرت تأثيراً كبيراً بسبب قيام دول الجوار بانشاء السدود على النهرين وروافدهما دون النظر في احقية ما يحتاجه العراق من واردات مائية وعدم التوصل معها على قسمة المياه للنهرين لذلك فقد اولت الوزارة الاهتمام الكبير لاستغلال المياه السطحية الداخلية وكذلك الواردة الى العراق وذلك بانشاء عدد من السدود في محافظات البلد في المواقع المؤهلة لتنفيذ السدود.
ان الوضع الهايدرولوجي في العراق ودول المنبع المجاورة يتسم بالتذبذب بالايرادات الفصلية والسنوية مما يؤثر بشكل سلبي على الخطط الزراعية وبالاخص الصيفية منها كون الايرادات فيها اقل ما يمكن وهذا يعني انخفاض المناسيب المائية في الانهار حيث ان فترة الايرادات العالية تكون خلال فصل الربيع وهي لا تخدم الموسم الزراعي الشتوي ولا الموسم الزراعي الصيفي لذلك فأن انشاء السدود يعتبر ضرورة ملحة لتحقيق الاهداف التالية:
1- الــــــري
ان الهدف الاساسي من انشاء السدود العراقية ( لكون العراق دولة المصب ) هو تأمين وتنظيم المياه اللازمة للري من خلال خطط تشغيل صيفية وشتوية مبنية على سياسة تشغيل مركزية لتلبية الاحتياجات المائية على مدار السنة للقطاعات المستخدمة للمياه كافة وفي مقدمتها القطاع الزراعي الذي يستهلك بحدود 85% من حجم المياه المتاحة كما يؤخذ بنظر الاعتبار خلال السنوات الشحيحة تأمين حجم معين من الخزين للسنة التالية في حالة استمرار الشحة لسنة ثانية لغرض تأمين الاحتياجات المائية بالحد الادنى للقطاع الزراعي وتأمين مياه الشرب وهذا ما حدث خلال السنوات الاخيرة الماضية في العراق وما نواجهه خلال هذه السنة 2009 وبشكل عام فان تنفيذ السدود سيزيد من درجة السيطرة على مواردنا المائية.
2- توليد الطاقة الكهربائية
يأتي توليد الطاقة الكهربائية كناتج ثانوي بعد تأمين الري. وتعتبر الطاقة التي تولدها السدود طاقة كهربائية نظيفة لا تسبب تلوثاً للبيئة وهذا ما يدعو الى الاستمرار في انشاء السدود عموماً .
3- انتاج الثروة السمكية
تعتبر بحيرات السدود من المسَطحات المناسبة لانتاج الثروة السمكية.
4- تطوير السياحة
تعتبر بحيرات السدود من المناطق المناسبة جداً لتطوير الحركة السياحية في العراق من خلال توفير مواقع جذابة ومريحة للساكنين وللمواطنين الراغبين في التواجد عندها للسياحة والراحة.
5- الملاحة
بالامكان ان تساهم بحيرات السدود في تنشيط حركة الملاحة بين اطراف البحيرة واختصار الطرق البرية.
6- نوعية المياه
تساهم بحيرات السدود العراقية في تحسين نوعية المياه من خلال خزن المياه في موسم الامطار وذوبان الثلوج إذ يكون بنوعية جيدة حيث يتم اطلاق المياه من خزان السد بنوعية جيدة للأشهر اللاحقة للخزن التي تتردى فيها نوعية المياه الواردة الى السد لانها تمتزج مع مياه البحيرة بحيث يكون تأثير المياه الواردة الى بحيرة السد قليلاً نتيجة التخفيف الذي يحصل في تراكيز المياه الواردة الى البحيرة .
7- السيطرة على الفيضان
في عدد من السنوات الماضية كان موضوع السيطرة على الفيضان يُعتبر الهدف الاول من انشاء السدود ولكن مع تزايد أعداد السدود المنفذة في دول اعالي نهري دجلة والفرات بدأت احتمالية الفيضان تقل في العراق ولكنها تبقى قائمة الحدوث في السنوات الرطبة كما حدث في الاعوام 1967 و 1968 و 1969 وكذلك في سنة 1988 وسنة 1994. وهذا موضوع هام جدا حيث لايمكن التكهن في أن دورة الفيضانات لن تعود واذا ما حدثت الفيضانات فان تاثيرها يكون بالغ الخطورة مالم يكن هناك استعداد لها من خلال بناء السدود والاستفادة مما تحققه من حجوم خزنية.
وهذا ينطبق على وجه الخصوص على نهر دجلة وروافده حيث إن ( 32% من الايرادات المائية السنوية ترد من داخل العراق ) وهذا يحقق نسبة عالية من وارد دجلة وروافده. وهنا تتبين اهمية خزن هذه المياه بانشاء السدود على دجلة وروافده خلال مواسم الايرادات المائية العالية والفيضانات وتصريفها بموجب خطط سنوية تعد لتوزيع المياه لاغراض الزراعة والاستخدامات الاخرى وبشكل مسيطر عليه.
8- تحسين البيئة ومنافع اخرى
كما تساهم السدود في تحسين اوضاع البيئة والمناخ في المناطق المحيطة ببحيراتها اضافة الى تحسين الوضع المعاشي للسكان من خلال فرص عمل تهيأ لها في المشروع إضافة الى استغلال الثروة السمكية وتحسين الواقع الزراعي.
الجفاف والحاجة الى السدود:
ان حالات الشحة والجفاف هي مؤشر نحو أهمية وفوائد السدود وامكانية تحكمها بالفيضانات وواردات المياه الزائدة عن الحاجة في مواسم معينة واطلاقها في اوقات اخرى لنفس السنة وخاصة مواسم الشحة ولهذا فالاحرى ان يكون للعراق عدد كاف من السدود لخزن كميات المياه اللازمة فيها.
والعامل الأهم والأكثر تأثيراً اضافة الى الجفاف هو التحرك المبكر لدول الجوار التي تحجز المياه داخل اراضيها وتشغيلها بما يحقق اهدافها الداخلية وهذا يؤدي الى تردي الايرادات المائية في نهري دجلة والفرات كماً ونوعاً نتيجة لقيام كل من تركيا وسوريا ببناء عدد من السدود وخاصة على نهر الفرات والتحكم باطلاقات المياه في هذا النهر وكذلك ما هو حاصل حالياً في الجانب الشرقي من العراق بسبب قيام ايران بانشاء السدود لديها مما سبب تقليلاً او قطعاً كلياً للمياه عن كل المغذيات لنهر دجلة من ايران وعلى طول الحدود المشتركــــــــــة انقطاعاً كلياً في جنوب العراق نزولاً الى شط العرب ، وكل هذا يدعو للتفكير الى تهيئة خزانات على مجاري المياه الدائمية والموسمية مهما قلت مياهها وحجزها والاستفادة منها في اوقات الشحة وهذا ما قامت به وزارة الموارد المائية في وضع إستراتيجية لانشاء سدود كبيرة وصغيرة في مناطق مختلفة من البلاد للعمل على حجز واحتواء أية كمية متاحة من المياه وتوظيف استخدامها بالشكل المناسب، اذ انه اضافة الى السدود الكبيرة المقامة المعروفة والتي خدمت العراق لعقود طويلة وعالجت مواسم الشحة والفيضان خلال هذه العقود فان الاتجاه قائم حالياً لتحقيق الاحتفاظ باكبر كمية من المياه وذلك باجراء الدراسات والتصاميم اللازمة لبناء سدود في عدد من محافظات العراق التي يمكن تنفيذ السدود فيها ، أكانت سدوداً صغيرة ام سدوداً كبيرة. ومن هذه الدراسات سدود في محافظة العمارة كالشهابي وعوجة السلمان والطيب ودويريج وكذلك الاستمرار في بناء السدود في الصحراء الغربية مثل الكعرة/2 والكعرة/4 واستمرار تنفيذ سد مندلي في المنطقة الشرقية وسد غاطس على كَلال بدرة في محافظة واسط في المنطقة الشرقية ايضاً. ودراسات اخرى لعدد من سدود صغيرة في كركوك والسليمانية ودهوك واستمرار التفكير لدراسة سدود اخرى في الباديتين الوسطى والجنوبية.
كما نعمل على انهاء الدراسات والتصاميم لانشاء سد الوند في المنطقة الشرقية في محافظة ديالى وهو من السدود المهمة وسدود بــاسرة وطق طق وشده له وقره علي في محافظة السليمانية وهي ايضاً من السدود الكبيرة وسد كومسبان في محافظة اربيل. وهذا يغطي عدداً كبيراً من المواقع الملائمة طوبوغرافياً وهيدرولوجياً على مستوى البلد.
كما نخص بالذكر سد بخمه على الزاب الاعلى منجزه تصاميمه وجدواه الفنية والذي لو اكمل بناؤه سيعتبر من السدود الكبيرة في العراق حيث ان الطاقة الخزنية بمستوى (550) م فوق مستوى سطح البحر تبلغ (8،1) مليار متر مكعب وانتاج الطاقة الكهربائية بهذا المنسوب تبلغ (840) ميكا واط وبسبب الشحة القائمة يعتبر من الضروري جداً اكمال تنفيذه لانه سيخزن كميات كبيرة من المياه ويساهم في زيادة الاستيعاب الخزني المهم جداً للعراق وكذلك تنظيم تصريف المياه وان فائدته تعم المشاريع الاروائية على نهر دجلة كافة.
وكلنا يتذكر كيف ان سد الموصل كان قد انقذ الموقف الخطير عام 1988 على مدينة الموصل والمدن التي تقع جنوبها وصولاً الى سامراء وكيف كان الموقف حرجاً على مدينة بغداد وخطورة تجاوز المنسوب فيها (35) م فوق سطح البحر في فيضان ذلك العام الذي حدثت فيه الفيضانات في معظم الانهار في آن واحد، وهذا يعطي الدليل على مدى مساهمة سد بخمه اذا اكمل تنفيذه للسيطرة على فيضان الزاب الاعلى لو تزامنت الفيضانات في آن واحد كما حدث في سنتي 1988 و 1994.
في الوقت الذي فيه نحاول معالجة الشحة وكيفية السيطرة على الموقف يجب ان لاننسى او يغيب عن بالنا خطر الفيضانات في حالة حصولها فيما ان الجفاف الحالي لا يمكن ان يستمر فان دورة الفيضانات يمكن ان تعود في اي وقت ويجب ان تتخذ الاستعدادات اللازمة ومن اهمها بناء السدود وبخاصة الكبيرة منها والمقولة العالمية تقول " لا تصمم السد إلا بعد أخذ اسوأ الاحتمالات للفيضانات الكبرى " وهذا يدعو للتفكير ملياً بعدم الائتمان بأن الشحة قائمة ومستمرة بل قد تعود الفيضانات في اي موسم وان موسماً واحداً غير محسوب حسابه قد يسبب ازمات وكوارث خطيرة على البلاد.
ان بناء السدود وفي كل انحاء العالم يكون في المناطق الجبلية او الهضاب او المناطق التي تكون اكتاف النهر عاليةً وتكون خلفها مساحة مناسبة لخزن المياه، وعموماً يتحقق هذا في العراق في اقليم كردستان وفي القسم الشمالي منه وخاصة للسدود الكبيرة، كما يصلح بناء السدود في الجزء الغربي في مناطق حديثة وعنه وراوة للسدود الكبيرة والصغيرة معاً وفي منطقة الصحراء الغربية للسدود الصغيرة وكذلك في المناطق الوسطى والجنوبية والشرقية.
وبالرغم من قلة السدود الصغيرة في الصحراء الغربية في العراق فان هذه السدود كانت تحوي في عام 2008 ما لايقل عن (15) مليون م3 من المياه بسبب السيول الموسمية ومازالت المياه متواجدة فيها ،وبالرغم من الشحة الحالية فانها تحوي حاليا مالا يقل عن (7) ملايين م3 يستفيد منها البدو الرحل واصحاب الاغنام والجمال والساكنين في تلك المناطق ومنذ اكثر من عقدين من الزمن وكذلك الحال في سد قزانية المنفذ في الجزء الشرقي من العراق والذي انجز مؤخراً وسد مندلي الذي سينجز قريباً ويجري حالياً تنفيذ سد الكعرة(4) في الصحراء الغربية وقريباً سد الكعرة (2) ايضا.
ان مقولة " لماذا لا تبنى سدود في وسط وجنوب العراق " معقولة اذا تحققت الاكتاف العالية وطوبوغرافية المواقع التي تسمح ببناء سدود وتحقيق الخزن فيها .
ان المياه الجوفية عموماً في الوسط والجنوب تعتبر عالية نسبياً وتكاد تكون سطحية ولهذا تم التركيز على تنفيذ المبازل حيث ان الارواء للمشاريع الزراعية يترك كثيراً من الاملاح على سطح التربة مما يتطلب انشاء مبازل وذلك لسحب المياه المالحة الى المصبات الرئيسية ثم الى المصب العام كما تتطلب عمليات استصلاح الاراضي انشاء المبازل الحقلية وغسل المساحات المستصلحة، وفي حالة بناء اي سد فرضاً في المناطق الوسطى والجنوبية من العراق فان منسوب خزن المياه في السد سيعمل على رفع منسوب المياه الجوفية بشكل قريب جداً من سطح الارض وسيكون التغدق حتمياً للاراضي ولا تنفع كذلك المبازل المنفذة، ولهذا فان هذه المقولة لايمكن الركون اليها كلياً عدا عن ذلك ضياع مساحات شاسعة جدا لخزن المياه لان الارض مسطحة كما ان التصاريف المتحققة في هذه المناطق تكون مقننة ولا تفي بالغرض. اللهم الا ما ورد ذكره في المناطق الملائمة طوبوغرافياً.
ان عملية بناء السدود الصغيرة تتم في حالة تحقق التضاريس والأمور الفنية الملائمة لانشائها .. وعليه فان النية معقودة وتجري فعلاً على دراسة السدود الصغيرة في البادية الجنوبية في السماوة والنجف وكذلك في العمارة واي منطقة فيها تضاريس مناسبة ومنها مثلاً كما ذكر آنفا في (عوجة السلمان والطيب والشهابي ودويريج).
ومن المهم ان نذكر ان الامطار لاتتساقط باستمرار وليست مضمونة بل تحدث في مناطق كثيرة زوابع رعدية عاصفة تجلب معها امطاراً غزيرة تحدث من جرائها سيول عارمة احياناً فمنها ما يصل الى الانهار ومنها ما يتسرب الى باطن الارض ومنها ما يخزن في السدود سوءاً اكانت سدوداً كبيرة او صغيرة وفي كل الاحوال يسمى الخزن في هذه السدود (حصاداً للمياه).
لقد تم مؤخراً انجاز عدد من السدود الصغيرة منها سد (هراوه) في محافظة السليمانية وسدي (شيرين وبلكانه) في محافظة كركوك وسد (كشكان) في محافظة دهوك وسد (قزانية) في محافظة ديالى ويجري العمل حالياً في تنفيذ سد كعرة(4) في محافظة الانبار في الصحراء الغربية. وكل هذه السدود تخزن المياه الكافية والمناسبة في موسم الامطار وتساقط الثلوج وقد شجعت المواطنين على الزراعة والاستقرار وشجعت الغير على الطلب ببناء سدود اخرى غيرها.
تبلغ مساحة المناطق الصحراوية في العراق حوالي (208) الآف كم2 وتشمل منطقة الجزيرة والبادية الشمالية والبادية الجنوبية والصحراء الغربية وان الوارد المائي لها من جراء هطول الامطار يقدر بحوالي (22) مليار م3 وان كمية المياه السطحية الممكن استثمارها وخزنها من خلال انشاء السدود الصغيرة تقدر بحوالي (2) ملياري م3 وهي كفيلة لتحسين واقع حال هذه المنطقة من النواحي الاجتماعية والثقافية والصحية والاقتصادية والبيئية عند توفر الشروط الفنية المطلوبة لانشاء هذه السدود .
إن الاهتمام ببناء السدود لابد ان يرافقه التقنين التام والاستخدام المنضبط والعقلاني للمياه باستخدام الطرق في الارواء كالري بالرش وبالتنقيط وعدم الركون كلياً الى الاساليب المعتمدة حالياً لان الزيادة السكانية مستمره والماء المطلوب ليس للزراعة فقط وانما للاستخدامات المختلفة الاخرى اي بمعنى الاقتصاد التام باستخدام المياه حتى لو كان الماء متيسراً بوفرة.
هذا ونود ان نوضح هنا بان السدود كافة التي تدرس وتنشأ سواء أكانت في الصحراء الغربية او إقليم كردستان او على عمودي دجلة والفرات والجهة الشرقية والباديتين الوسطى والجنوبية جميعها تساهم في تحسين الأستخدام الامثل للمياه في العراق ولايمكن النظر اليها بانها تخدم منطقة معينة بل تخدم مناطق عموم البلد بلا استثناء.