رغم بديهية العنوان اعلاه إلا ان التعامل الحالي مع ملف المياه في العراق لا يعتمد على تنفيذ خطط ستراتيجية طويلة الأمد وضعها خبراء ومختصون ومؤسسات عريقة رغم توفر هذه الدراسات والتوصيات فعلا، إذ نشهد موجات عابرة من الاهتمام بموضوع المياه مع بداية كل موسم جفاف ثم يتم الانشغال عنه بملفات ساخنة أخرى، ومع مرور الوقت تتضخم أزمة المياه حتى وصلنا الى الوضع الخطير الحالي.
إن أزمة المياه متواصلة منذ عدة عقود وهي ترتبط، في الدرجة الاولى، بالتغيرات المناخية الكبيرة التي تشهدها الكرة الارضية وخاصة منطقة الشرق الاوسط حيث تتسع الصحارى كلما تراجعت كميات المياه المتوفرة، والعراق تحديدا سيواجه الجزء الاكثر حدة من المشكلة نظرا لكونه دولة مصب حيث تقع منابع مياهه خارج حدوده، كما تعرضت تربته لتغييرات كبيرة جعلتها أكثر هشاشة وأقل تماسكا مع توالي سنوات الجفاف وتزايد حركة الآليات العسكرية وتراجع أعداد أشجار النخيل ومساحات الغطاء الأخضر، وهو ما انعكس اليوم في موجات الغبار المتحركة من دول الجوار لتضرب البلاد معظم أيام السنة.
سبق وان طرحنا خلال السنوات الماضية حلولا وخططا لمواجهة أزمة المياه وما يتبعها من أزمات في البيئة والزراعة واستقرار السكان، وجوهر هذه الطروحات هو اعتبار المياه قضية عليا يديرها المختصون ويدعمهم الساسة وليس العكس، وفي مقدمة العلاج معرفة الخطط التشغيلية للمياه التي تعتمدها دول الجوار لكي يتمكن العراق من وضع سياسة واقعية لإدارة المياه بعيدا عن الخطوات المفاجئة، وهذا المطلب يجب ان يكون في مقدمة حواراتنا مع دول الجوار بعيدا عن التصعيد والتهديد فكلها أساليب غير مجدية في هذا الملف الخطير تمهيدا للتوصل الى اتفاقيات ثابتة لتوزيع الحصص المائية.
يجب ان نضع في نظر الاعتبار ان التغيرات البيئية وموجات الجفاف تضرب جميع البلدان كما ان زيادة الطلب على المياه تشمل كل المجتمعات لكن هذا يجب ان لايكون على حساب الحقوق المائية العادلة للعراق، ولكي تكون مطالبتنا بحصص عادلة مقبولة علينا اعتماد أساليب حديثة في ري المزروعات بدلا من الاساليب القديمة المعتمدة الآن، وتقليل نسب التبخر عبر توفير غطاء أخضر في المناطق المحاذية للانهار وكذلك حماية مجاري الانهار من التلويث والتجاوزات بالبناء او غيره من الاستخدامات وايقاف الهدر في استخدام المياه وتطوير تخزينها.
تحقيق كل هذه الامور يحتاج الى إدارة قوية ومهنية لملف المياه والتوسع في الاستثمار وإشاعة ثقافة عامة للحفاظ على هذا العنصر الحيوي عبر منهاج تربوية واعلامية تخاطب مختلف الاعمار ومستويات الوعي، وتشارك في تأسيس هذه الثقافة كافة المؤسسات والنخب، لأن المياه ليس قضية عابرة.
عمليا، لا بد من تحسين وتقوية ادارة المياه ويجب التحرك سريعا في اتجاهين، الاول تشكيل مجلس أعلى للمياه من الخبراء والمتخصصين خارج الاطر البيروقراطية المعتادة في العمل الاداري والحكومي، ومهمة هذا المجلس وضع سياسات لإدارة ملف المياه، وتحظى توجيهات وخطط المجلس بقيمة اعتبارية ومهنية ملزمة للجهات الحكومية التنفيذية.
والاتجاه الثاني يتضمن التحرك السياسي والدبلوماسي لإطلاق حوار إقليمي موسع للتوصل الى توافقات واتفاقات بين حكومات الدول، وبالأخص تركيا وايران والعراق وسوريا، لإيقاف الخطوات والمشاريع التفردية مثلما تفعل تركيا ببناء السدود العملاقة التي تؤثر بشكل كبير على الامدادات المائية في نهري دجلة والفرات، ولا بأس في ان يسعى العراق لعقد مؤتمر دولي أو اقليمي في هذا السياق وان يجعل من هذا الملف أساسيا في علاقاته مع الدول الأخرى، لإن استقراره مرهون بإستمرار تدفق كميات مناسبة من المياه، وهو استقرار ضروري لبقية دول المنطقة.
د.عبداللطيف رشيد
وزير الموارد المائية الأسبق
يخطئ من يعتقد بان ما حصل في جبل كارة (10/2/2021) من انزال عسكري، وقبله من قصف جوي ومدفعي وتحركات عسكرية متكررة، بانه دفاع من جانب تركيا عن امنها القومي وحدودها كما تدعي، بقدر كونه مسعى من انقرة لمزيد من التوغل داخل عمق اراضي اقليم كردستان، وفرض واقع جديد والبحث عن تبريرات مقبولة لوجود 14 قاعدة وثكنة عسكرية واستخباراتية داخل اراضي الاقليم وبعشيقة، تحت ذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني.
اذا ما عدنا في التأريخ الى الوراء قليلاً، نجد بان الاتراك اتخذوا من داعش حجة للتوسع داخل اراضي العراق والاقليم، بهدف اعادة السيطرة على ولاية الموصل، وربطوا في احيان كثيرة بقائهم بالقضاء على داعش، وبعد اكثر من عامين على دحر داعش وهزيمته في العراق عسكريا، نجد بان المواقع التي احتلها الجيش التركي، ما زالت قائمة ولا يرفض الاتراك مناقشة الخروج منها فحسب، بل انهم يهددون باحتلال سنجار كاملة في احدى الليال كما جاء على لسان رئيسهم اردوغان.
بقاء القوات التركية واستمرار الاعتداءات والتجاوزات والانتهاكات وعدم ادانتها من قبل الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم وكذلك معظم القوى السياسية يعد انتهاكا واضحاً لسيادة العراق، فضلاً عن انه يتعارض مع مصداقية الادعاءات اليومية للاستقلالية وسيادة العراق، على الجهات الحزبية التي تضع رأسها في الرمل، معتقدة ان اللجوء الى المحتل لتصفية حسابات ومشاكل داخلية ستضمن لها الديمومة والبقاء، يجب ان تعلم بان عقاب الشعب ات لا محالة، فضلاً عن ان التأريخ لن يغفر لكل من يتعاون مع قتلة الكرد.
واذا ما افترضنا جدلاً بان هناك طرف سياسي في الاقليم، يستغل الاطماع التوسعية التركية لتغيير المعادلة السياسية في كردستان، فان ذلك ينبغي ان لا ينعكس على الحكومة الاتحادية والقوى السياسية العراقية، ويجب ان يدرك الجميع بان اي عملية عسكرية تركية، في اي مكان داخل الاراضي العراقية، هو استهداف لسيادة العراق وامن شعبه، وهو يمثل خطراً كبيراً على ابن البصرة قبل المواطنين في محافظات الاقليم، لذا فان صمت الحكومة الاتحادية ايضاً اصبح مثارا للتساؤل.
وعلينا جميعاً ان نتوحد للحفاظ على سيادة وامن البلاد ومصالح مواطنيه، وان نتخذ موقفا موحدا غير قابل للمساومة بالتنديد والوقوف بوجه اية خطوات جديدة من اية دولة كانت لاستهداف شعب العراق في الاقليم وغيره من المحافظات، وان نرفع صوتنا بوجه الاطماع التوسعية التركية، عبر مختلف المحافل الاقليمية والدولية.
الصباح الجديد
15-2-2021
قال وزير الموارد المائية الاسبق، د.عبداللطيف جمال رشيد، إن زمن السخاء المائي انتهى ولن تعود التدفقات المائية من إيران وتركيا الى سابق عهدها، وعبر رشيد عن أمله بان تؤدي المفاوضات والاتفاقيات الى تعويض نقص المياه على الاقل عبر المشاركة العادلة في كميات المياه، مبينا ان الحل الجوهري لأزمة المياه في العراق يكون عبر وجود إدارة مائية حديثة وحازمة ورصينة، والتوصل الى "إدارة تشغيلية مشتركة" مع دول المنبع.
وبين وزير الموارد المائية الاسبق، في حديث لـ(المدى)، إن "المشاريع المائية في تركيا وايران بدأت منذ عقود وأثرت على كمية المياه ونوعيتها القادمة من دول المنبع الى دولة المصب (العراق).
وأشار رشيد الى ضرورة ان تكون تصريحات المسؤولين العراقيين واقعية عند الحديث عن التوصل الى تفاهمات مع دول المنبع لضمان حصة مائية عادلة للعراق.
واستدرك رشيد قائلا "مع ذلك لا بد من استمرار التواصل مع إيران وتركيا للتوصل الى ما اسميه (الادارة التشغيلية المشتركة).. فما دمنا شركاء بهذه المصادر المائية فلا بد من تنسيق استثمار المياه، وليس من مصلحة أحد إلحاق اضرار كبيرة بشعب جار ودولة كبيرة ومهمة اقتصاديا للدولتين".
وأضاف رشيد: "المفاوض العراقي لن يكون قويا الا إذا ساندته الدولة العراقية كلها، بكل مفاصلها، وأبعدت المؤسسات والقوى السياسية مصالحها وعلاقاتها عن هذا الملف المهم والذي يتعلق بالحياة اليومية للعراقيين كما يؤثر على أمن واستقرار البلاد أكثر بكثير من الارهاب والحروب".
وقال رشيد ان "الدولتين اللتين تنبع منهما مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما، أي تركيا وإيران وكذلك سوريا، التي يمر بها نهر الفرات، من واجبها تفهم حاجات العراق المائية والتعاون معه حتى تتوصل الى ادارة تشغيلية ملائمة للمياه توفر حصص عادلة، وفي نفس الوقت على العراق القيام بإجراءات حاسمة في إدارة هذا الملف".
مجلس أعلى لإدارة المياه
وبين رشيد أن "التعامل السليم مع أزمة المياه يتطلب أولا، جعلها من أولويات السياسة العليا للدولة وان لا تكون وزارة الموارد المائية أقل شأنا من الوزارات السيادية، بل يجب ان يتقدم الاهتمام بها على كل الوزارات الاخرى، وسيكون من الافضل أن يتشكل مجلس أعلى لإدارة الموارد المائية، بإمكانيات وتخصصات فنية قوية، بعيدا عن التدخلات السياسية".
وأضاف: "لقد طالبت لسنوات بتشكيل هذا المجلس لكن للأسف لم تجد المطالبة آذانا صاغية وبقي ملف المياه ثانويا لا تتذكره الجهات الرسمية والاعلامية الا عندما تصل الازمة الى مرحلة خانقة ثم يتم تناسي الموضوع بعد فترة".
وأكد رشيد لـ(المدى) أن "كل المتغيرات البيئية والسكانية والاقتصادية التي تعيشها المنطقة والعالم تشير الى ان زمن السخاء المائي انتهى، فالجفاف وزيادة السكان وتصاعد الطلب على الماء والكهرباء، تؤدي بالنتيجة ليس فقط الى انخفاض الحصة المائية للعراق وانما تردي نوعية المياه واضطراب توقيتات اطلاقها بما يؤثر على المواسم الزراعية".
دعوة لإحترام الأنهار
وردا على سؤال لـ(المدى) عن الحلول والاجراءات العراقية التي يمكن ان تعالج او تخفف من حدة الازمة المائية، قال رشيد: "يجب أولا تحديث إدارة المياه، واحداث تغيير جذري بطرق استثمار المياه في الزراعة، فاستمرار الاعتماد على الطرق القديمة التي مازالت سائدة في السقي غير مقبول، لا بد من التوجه الى الري بالرش والتنقيط، وفتح الاستثمار في المياه وهو موضوع يتم تجاهله دائما".
وتابع: "الأهم من كل ذلك، علينا احترام الانهار بالتوقف عن تلويثها والتجاوز على ضفافها والاستغلال العشوائي لها، وايقاف استخدامها كمجاري للمياه الثقيلة".
وقال رشيد: "نحتاج الى وعي جديد مختلف في التعامل مع المياه، العراق بحاجة الى ثقافة مختلفة تمنع الهدر والتلويث، ونحتاج أيضا الى دبلوماسية مياه ثابتة تعرف استخدام نقاط القوة العراقية في مفاوضاتها مع الدول الاخرى".
المجتمع الدولي يفتقر للتشريعات
وسألت (المدى) وزير الموارد المائية الأسبق عن إمكانية لجوء العراق الى المنظمات الدولية لضمان حصة مائية كافية وعادلة، فقال رشيد:" للأسف لا توجد لحد الآن اتفاقيات كافية وملزمة لتوزيع مياه الانهر وادارتها بين الدول، ويفتقر المجتمع الدولي الى تشريعات تضمن حقوق الدول المتشاركة في مياه الأنهر وتحدد آليات لتقاسم المياه وطرق وحدود الانتفاع منها".
وأضاف: "أصدرت الامم المتحدة ميثاقا لتنظيم استغلال المياه غير الملاحية في 17/8/2014، بعد فترة طويلة من طرح الميثاق للتوقيع من قبل 35 دولة، وهو يشتمل على توصيات عامة ولحد الآن غير ملزمة".
واختتم رشيد حديثه لـ(المدى) بالقول: "نحتاج أيضا الى توعية اعلامية للمواطنين لتغيير طريقة استخدامهم للمياه، توعية تساعدنا جميعا على مواجهة هذه الازمة الخانقة".
جريدة المدى
5/10/2021
نظمت جمعية البيئة والصحة العراقية في المملكة المتحدة مؤتمرا علميا في 16 شباط 2020 تحت عنوان "معالجة وتدوير النفايات في العراق بين متطلبات حماية البيئة والصحة وفرص الاستثمار" استمر لمدة يوم واحد في جامعة (UCL) في لندن بحضور أكاديميين وخبراء وباحثين عراقيين من المهتمين بشؤون معالجة وتدوير النفايات وممثلي الجمعيات العراقية في المملكة المتحدة ومشاركة اعضاء في مجلس النواب العراقي وابناء الجالية العراقية وعدد من طلبة الدراسات العليا في بريطانيا.
والقى الدكتور عبداللطيف جمال رشيد وزير الموارد المائية العراقي الأسبق، محاضرة في المؤتمر بعنوان "ادارة واعادة تدوير النفايات في العراق، الاولوية للبيئة والصحة وتوفير فرص العمل الاستثماري"، تطرق فيها الى مشكلة النفايات المائية ومياه الصرف الصحي في العراق، حيث أكد ان الماء هو اهم مصدر للحياة وان الخلل في معالجة مشكلات المياه في العراق لا يقتصر على نقص المعلومات او انعدام الخطط والبرامج العلمية التي قدمها عدد كبير من العلماء العراقيين من داخل البلد وخارجه والخبراء الاجانب كما انها ليست مشكلة علمية او فنية، وانما الخلل يكمن في الاداء والادارة والتنفيذ وضعف دور السلطات التشريعية والتنفيذية.
واضاف ان تلوث المياه له اثار خطيرة على تغيير خاصية ونوعية الحياة الطبيعية، ويحدث هذا التغيير على مصارد المياه المخزونة في العراق (بحيرات صناعية) والانهار وآبار المياه وحتى مياه الامطار وتصبح غير صالحة للاستعمال والاستخدام البشري.
ولفت رشيد الى ان موارد المياه في العراق تعاني من مشكلات جمة مثل عدم وجود نظام صرف صحي مناسب او جيد، فضلاً عن عدم وجود نظام توزيع عصري لمياه الشرب ونقص في محطات تنقية وتحلية المياه ومعالجة وتصفية المجاري.
واشار الى ان هناك نوعين من التلوث الاول عضوي والثاني غير العضوي، لافتاً الى ان التلوث الصناعي من المصادر الرئيسة للتلوث، وهو يمثل نسبة كبيرة من التلوث الحاصل في مياه الخزانات ومياه الانهار، وحتى البحار، نظراً لان الصناعات المختلفة لها تاثير خطير على تلوث البيئة والمياه.
واشار الى ان مياه الصرف الصحي والمجاري لها نتائج خطيرة ومدمرة على عكرة المياه (نظافة المياه)، حيث يتم صب او توجيه معظم منافذ الصرف الصحي والمجاري نحو خزانات المياه والانهار، وهذا له تأثير سلبي على المياه الجوفية ايضاً.
وسيكون لها اثار سلبية دائمة على نوعية المياه والموارد المائية حيث تشغل مياه الصرف الصحي المستخدمة في المطابخ والمصانع ودورات المياه ومحطات والوقود، وغيرها نسبة 90% من المياه والبقية تتكون من التربة والمواد الكيمياوية وفي بعض الاحيان هذه تحتوي على زيت كربوهيدرات وحوامض واشياء اخرى غير مقبولة.
وتناول في جانب آخر من محاضرته التلوثات الناتجة عن الزراعة والري، الذي قال انه ينتج جراء استخدام المواد الكيمياوية، في الاسمدة والمبيدات الحشرية، والمواد الكيمياوية الاخرى التي تستخدم كاسمدة للمنتوجات الزراعية.
مشيرا الى وجود انواع اخرى من التلوث منها العسكري، السائد في العراق الناجم عن التحركات العسكرية والقتال وفي بعض الاحيان، الذي استخدم فيه اليورانيوم المنضب والمواد الكيمياوية والتلوث الناجم عن تسرب الغاز والنفط، الذي يؤثر بنحو مباشر على المناطق القريبة من آبار النفط وخزانات الوقود، الذي قال انه يخلف اثاراً جسيمة على صحة الانسان ويؤدي الى تفشي امراض التيفوئيد والسرطان والكوليرا وامراض الجلد وخاصة بين الاطفال والفئات العمرية الاخرى.
ودعا الدكتور رشيد في ختام محاضرته الى اجراء مسح لتحديد الخطوات والبرامج التي يمكن توظيفها والاستفادة من بعض المشاريع قيد الانشاء، مثل مشروع الكرخ ومشروع شرق دجلة وبعض المشاريع الحكومية الاخرى.
واصدار بعض التشريعات المطلوبة عبر اشراك برامج عالمية لمعرفة التنقية والخبراء التقنيون للتشاور حول هذه التشريعات وتخصيص الاموال المطلوبة لتحسين شبكات مياه الشرب والصرف الصحي والتعقيم، والتعاون بين العراق ودول الجوار بشأن تقاسم المياه لمكافحة التلوث.
الصباح الجديد
11 آذار 2020
في ظل الاوضاع السياسية والاقتصادية والادارية المزرية التي يعاني منها المواطنون في اقليم كردستان منذ سنوات التي ترتبت عن اخطاء السلطات وبعض المسؤولين وادت الى حصول تدهور خطير للمستوى المعيشي وتراجع الخدمات وفقدان الرواتب وتفشي البطالة، وعلى الرغم من امتلاك الاقليم لثروات طبيعية كبيرة متنوعة من نفط وغاز ومياه واراضي زراعية خصبة شاسعة، الا ان شيوع عقلية التسلط وعدم اعتماد خطط وبرامج مدروسة وتغييب العقول والكفاءات، والتنصل من المسؤولية اسهم بتفاقم الاوضاع وتدهورها في مختلف المجالات باقليم كردستان.
تقوم اغلب المؤسسات ووسائل الاعلام والصحفيون على نحو يومي بتسليط الضوء بشكل مفصل ومن مختلف الجوانب على تداعيات الاوضاع الراهنة وما تمثله من مخاطر وتاثيرات سلبية على كاهل المواطنين، الا ان المسؤولين الذين كانوا السبب وراء بروز هذه الازمات او الاحزاب السياسية وحكومة الاقليم غير مستعدين لتحمل المسؤولية، وتكبد عناء البحث عن ايجاد حلول ومعالجات للازمات المستفحلة، وبدلا من ان يعتذروا عن تفاقم الازمات والمشاكل التي خلفتها سياساتهم، نجد انهم يسعون الى التنصل وتحميل جهات اخرى مسؤولية اخطائهم الكارثية.
في معظم دول العالم وعلى الرغم من ان قسما منها لا يمتلك ثروات من نفط وغاز ومعادن او جغرافية مهمة كما لاقليم كردستان، فان تشخيص وتحديد مكامن الخلل والقصور في الاداء الحكومي والمؤسسات التنفيذية، احدى اهم الاسباب وراء التقدم والتطور وتصويب اداء المؤسسات الحكومية، والقدرة على معالجة المشاكل الاقتصادية والادارية، لايجاد حلول مناسبة لها عبر الاستفادة من الخبراء وذوي الشأن بنحو شفاف لتأمين معيشة واحتياجات المواطنين.
لا يمكن تبرئة الحكومة الاتحادية من مسؤولياتها لتأمين رواتب وميزانية شعب كردستان، لانه كان يفترض بها منذ سنوات العمل الجاد على تشريع قانون النفط والغاز الذي يرتبط ارتباطا مباشرا بتلبية استحقاقات المواطنين، ورسم شكل ونوع العلاقة الاقتصادية والسياسية بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية، وصياغة اسس للتعامل وتحديد الحقوق والواجبات في ملف النفط، بما يمنع انعكاس ذلك سلباً على الاوضاع المعاشية للمواطنين.
معالجة تلك الازمات مهم لحاضر ومستقبل الاقليم والمركز، لان الثروات التي تهدر الان دون وجه حق خارج نطاق القانون هي ملك للشعب، لذا يستدعي التصرف بها مراعاة مصالح جميع مكونات البلاد حاضراً ومستقبلاً.
بعد 28 عاما من الحكم في الاقليم وعلى الرغم من بروز العديد من الازمات والمشاكل، وعوضا من ان تستخدم السلطات الحاكمة استخراج وبيع النفط عاملاً اساسياً في اطار الحفاظ على موقع ومكانة الاقليم وضمان مستقبل اجياله القادمة، الا انها وبالعكس من ذلك حولت استخراج النفط وبيعه في الاسواق العالمية الى عامل لتبديد واهدار ثروات وموارد الاقليم، وقطع قوت الناس ووضع المواطنين في الاقليم تحت اعباء ديون وقروض كبيرة متراكمة.
كان اقليم كردستان ولغاية عام 2014 يحصل على ميزانيتة ومستحقاته المالية من الحكومة الفدرالية، كما انه كان للكرد دور مهم وفاعل في رسم سياسة البلاد وبناء مستقبله، الا ان سعي البعض لتحقيق المزيد من المكاسب المالية والامتيازات بملف النفط، دفعها لاعتماد سياسة الاستقلال الاقتصادي، وجاءت بـ"عبدالله عبدالله" الذي يدعى "اشتي هورامي" من لندن بتوصية من برهم صالح وقاموا بتسليمه ملف النفط دونما رقيب او حسيب، دون ان يدركوا بان استخراج وتصدير وبيع النفط في عالمنا الان ليس بالامر السهل، وعدا عن كونه يخضع للكثير من الاعتبارات السياسية والاستراتيجية والصراعات الاقليمية والدولية، فهو يتطلب استشارة جملة من الخبراء والفنيين والمهنيين، فضلاً عن حاجته لخبراء قانونيين ودستوريين.
عبدالله عبدالله “اشتي هورامي” قام بعد التشاور مع برهم صالح بالسيطرة والاستحواذ على ملف النفط والغاز في الاقليم، وكان يحتفظ بهذا الملف الحيوي والخطير في حقيبته، ليقوم لاحقاً مدفوعاً بمصالح شخصية وحزبية، دون وضع اعتبار لبرلمان كردستان والحكومة الاتحادية، بتوقيع العشرات من العقود النفطية بتوسط بعض الاشخاص، مع شركات النفط التي كان بعضها غير معروفاً، لقاء منحهم حصص وامتيازات كبيرة ما كانوا يحلمون بها في نفط الاقليم.
وبدلاً من ان يضع اقليم كردستان على خارطة الدول المصدرة للنفط المعتمدة لدى المجتمع الدولي كما كان يدعي، فانه وعلى العكس من ذلك تماماً، تسبب بخلق مشاكل وازمات لا تعد ولا تحصى للاقليم، وفي مقدمتها تفشي الفساد والتربح، وتبديد ثروات الشعب وتحكم شركات اجنبية بثروات الاقليم وارضه ومستقبل اجياله، فضلاً عن انه تسبب بخلق ازمة عميقة بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية، التي كانت تعارض تلك السياسية وتقول بانها ستؤدي الى اهدار نفط الاقليم الذي يباع بثمن بخس باسعار تفضيلية لعد من دول المنطقة.
وفقا لكتاب رسمي صادر عن رئاسة الوزراء العراقية في شهر كانون الاول عام 2007 بتوقيع رئيس الجمهورية مام جلال، ورئيس مجلس الوزراء نوري المالكي موجه الى رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، طالبا فيه بارزاني بالعدول عن السياسة النفطية التي اعتمدتها حكومة الاقليم، التي كانت تتيح لوزير الثروات الطبيعية في حكومة الاقليم اشتي هورامي، ان يوقع عشرات العقود النفطية خارج القانون ومواد الدستور، الذي صوت له الشعب العراقي، وطالباه كذلك في الرسالة ان ينتظر حتى تتوصل القوى والاحزاب السياسية الى اتفاق حول صيغة لاقرار قانون النفط والغاز والمصادقة عليه في مجلس النواب، ليضع بدوره اطاراً قانونياً لطبيعة العلاقة النفطية بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية، وما يمكن ان يتيحه من مساحة للاقليم للتحرك فيها بما يتعلق بالاتفاق وتوقيع العقود النفطية، الا ان حكومة الاقليم معتمدة على تقارير خاطئة من اشتي هورامي، الذي كان مدفوعا بمصالح خاصة ضيقة استمر على سياسته وتوقيع المزيد من العقود النفطية.
سياسة الاستقلال الاقتصادي المزعومة التي كان اشتي هورامي يروج لها فشلت في ادعاءاتها ودفعت بالحكومة الاتحادية مرغمة الى ايقاف ارسال حصة الاقليم التي كانت تبلغ آنذاك 17% من اجمال الموازنة الاتحادية، الامر الذي وضع الى جانب الانخفاض الحاد في اسعار النفط حكومة الاقليم في مأزق اقتصادي ومالي، ليكون شعب كردستان ومواطنوه الضحية الاولى لتلك السياسة الخاطئة التي دمرت اقتصاد الاقليم وبددت ثروات اجياله.
اي دولة او حكومة تحترم شعبها وتعير للقانون وسيادته احتراماً وتدعي الديمقراطية والشفافية في ادارة شؤون البلاد، ينبغي ان يكون لها قانون ينظم الايرادات والنفقات السنوية يكشف بكل صراحة عن نفقاتها وحجم الديون والجهات التي اقترضت منها وكيفية التصرف بالاموال التي تم اقتراضها، وان يتم محاسبة ومساءلة الاشخاص والجهات والمؤسسات التي تتسبب بحدوث الفساد وتحميل الحكومة نتائج سياسات خاطئة اسهمت في تراكم الديون وتبديد الثروات.
في اقليم كردستان ومع الاسف الشعب والمواطنون وممثلوهم في برلمان اقليم كردستان، ليس لديهم علم بحجم وتفاصيل الديون التي تراكمت على حكومة الاقليم، والسبب وراء الاقتراض وممن، هذا اضافة الى عدم علمهم بحجم الايرادات وكميات بيع النفط والمبالغ المستحصلة والية توزيعها والتصرف بها.
وبدلاً من ان تتحمل رئاسات حكومات الاقليم السابقة والحالية جزءا من المسؤولية والتبعات القانونية للاخطاء والسياسات الفاشلة، التي انتهجتها وادت الى تحميل المواطنين في الاقليم عبء ديون طائلة، ما يدفع الى التساؤل عن الوضع في الاقليم ومتى يدق ناقوس الخطر لمحاربة الفساد والقضاء على المحسوبية وانعدام الشفافية لدى حكومة الاقليم.
ما يحصل من اهدار كبير للثروات العامة وفي مقدمتها النفط والغاز وابعاده عن التدخلات والاملاءات الخارجية ومعالجة المشاكل العالقة مع الحكومة الاتحادية وفقا للدستور والقوانين بات امرا ملحاً لايمكن تاجيله او التغاضي عنه.
هذا فضلاً عن ان وضع برامج مدروسة عملية لمعالجة الاوضاع السياسية والاقتصادية والادارية المزرية لاقليم كردستان، من مختلف النواحي واعتماد خطط لاعادة الاعمار ومحاربة الفساد والامتيازات غير الشرعية، لا يمكن ان يتم من خلال الاشخاص الذين كانوا وراء تفشي الفساد وهم مستمرون في السلطة لحد الان في اقليم كردستان.
جريدة الصباح الجديد
20 حزيران 2020
لا اجد وصفا للتجاوزات والاعتداءات التركية المستمرة على اراضي وسماء وقرى وقصبات اقليم كردستان، واخرها قصف مجمع مخمور للاجئين وجبال زيني ورتي، الا ان اضعها في خانة الحقد الشوفيني العنصري للحكومة التركية، التي يقودها حقدها الاعمى ضد الكرد الى استهدافهم اينما وجدوا.
ان الاوضاع الاستثنائية التي يواجهها العالم والعراق واقليم كردستان على حد سواء جراء تفشي فايروس كورونا رغم صعوبتها وفداحة خسائرها البشرية والمادية، الا انها منحت الجميع، حكومات وشعوبا، حكاما ومعارضين من قوى اليمين اواليسار، رأسماليين واشتراكيين، فرصة للتكفير عن ذنوبهم ومراجعة سياساتهم السابقة واعادة صياغة العلاقات بعيداً عن لغة العنف والقتل والدمار، والركون الى الحوار والتفاهم لمعالجة المشاكل والازمات، التي تعصف بالعالم وفي مقدمتها منطقة الشرق الاوسط.
وبينما تنشغل الحكومات والمنظمات والمجتمع الدولي بالبحث عن حلول لمشاكلها الداخلية الادارية والاقتصادية والمالية والمعيشية، التي خلفها انتشار فايروس كورنا والبحث عن علاج ولقاح طبي يقي شعوبها من هذا الوباء العالمي الخطير، ما دفع بالمجتمعات الى تجاوز خلافاتها القومية والحزبية والجغرافية والمذهبية حتى الطبقية والسعي لتحقيق مزيد من التكاتف لتجاوز الجائحة وبناء جسور التواصل التي حطمتها الاطماع والاحقاد، نجد ان الحكومة التركية مدفوعة باحقاد وشعارات قومية بالية ما زالت تفضل الحرب على لغة الحوار، وتلجأ الى الخيارات العسكرية والحرب بدلا من اشاعة السلام والتفاهم، محملة بذلك المنطقة وشعبها واقتصادها ومنظومتها العسكرية تبعات حرب لا طائل منها، ضد شعب اعزل همه الاوحد ان يعيش بسلام على ارضه المسلوبة.
التجاوزات المستمرة للحكومة التركية على سيادة العراق وأمنه عبر قصف جوي ومدفعي واجتياح بري أودى بحياة المئات من سكان القرى والارياف، وهجر ورحل سكان العشرات من القرى في اقليم كردستان، اضافة الى اختراق اراضيه واقامة العشرات من المقار والثكنات العسكرية والاستخبارية، بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني، فضلاً عن انه يكشف زيف الادعاءات التركية، فهو ايضاً يضعها امام طائلة المساءلة الدولية على خلفية الانتهاكات المستمرة لمبادئ حسن الجوار والاعراف والقوانين الدولية.
كما انه يضع الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان امام تساؤلات حقيقية ويجعلهما مسؤولين عن الدفاع عن ارض وشعب كردستان وباقي مناطق العراق وعدم التغاضي عن قتل ابنائها بدم بارد من قبل الاتراك، دون ان يكون لهما رد فعل ينسجم مع حجم الكارثة والاكتفاء بالاحتجاجات والتنديد.
حكومة الاقليم التي تسعى لكي تكون ممثلة لشعب كردستان ومدافعة عن حقوقه، فضلت ان تدفن رأسها في الرمل مرة اخرى، واكتفت بلعب دور المتفرج على قتل الابرياء، على ان تصدر بيان واضحا تدين فيه القصف الذي اودى بحياة المواطنين، وهو اضعف الايمان.
وكان يفترض بحكومة الاقليم، ان تطالب المجتمع الدولي ومجلس الامن وحلف الناتو بتحميل تركيا تبعات الاضرار والخسائر البشرية والمادية والمعنوية للقصف الجائر المستمر على اراضي الاقليم، بدلاً من تحميل جهات واحزاب سياسية كردية مسؤولية الخروقات المستمرة للحكومة التركية.
استقدام حكومة الاقليم وحدات من قوات البيشمركة الى منطقة زيني ورتي في مواجهة قوات كردية اخرى في هذا التوقيت بحجة الحد من تهريب مواطنين ايرانيين الى داخل الاقليم قد يكونون مصابين بفايروس كورونا، اضافة الى انه تبرير غير مقبول فانه يضع الاقليم امام خلافات داخلية عميقة، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه الى وحدة الكلمة والموقف في مواجهة التحديات الصحية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عما يمر به العراق، الذي نحن جزء منه من ظروف حرجة تتطلب ان يكون للكرد فيها دور بارز في لملمة شتات العملية السياسية والنهوض بها من جديد.
وهنا نجد بانه بات لزاما على الحكومة التركية التي تواجه أزمات ومشاكل داخلية لا تعد ولا تحصى، ان تفتح حوارا سياسياً مع حزب العمال الكردستاني، اذا ما كانت حريصة على شعبها لمعالجة المسألة الكردية في تركيا عبر الحوار والتفاهم، بدلا من استمرار نزيف الدم والاموال، كما ان على اردوغان ان لايستثني في عفوه عن السجناء جراء كورونا الافراج عن السياسيين الكرد والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني الذي يقبعون في السجون التركية منذ سنوات دون تهمة او جرم او انتهاك للقوانين.
وعلى اردوغان ان يدرك ايضاً بان استخدام القوة والالة العسكرية والتدخل في شؤون الدول لن يقهر ارادة الشعوب، ولن يثنيها عن الاستمرار بالمطالبة بحقها في الحرية والديمقراطية.
18/4/2020
بغداد 29 - 2021/8/31
حتى وقت قريب كان الحديث عن أزمات المياه في العراق لا يثير اهتماماً جدياً إلا لقلّة من المختصين أصحاب النظرة المستقبلية؛ فالعراق من البلدان التي تتمتع بثروة مائية جيدة ليس في الماضي فقط بل وحتى في حسابات اليوم، مع أنه يقع في منطقة تعاني معظم بلدانها من شحة مائية أو حالات من انعدام المياه أصلاً وتعتمد تقنيات معقدة ومكلفة لتوفير المياه لسكانها.
ولكي نفهم الأزمات المائية التي يعيشها العراق علينا أولا أن نتذكر بإستمرار مجموعة عوامل تبدو كبديهيات لكن للأسف لا يتم وضعها في نظر الاعتبار عند التعامل مع ملف المياه، سواء سياسياً أو اعلامياً وحتى فنياً في بعض الأحيان. ومن أبرز هذه العوامل:
١- الطبيعة واقصد بها مجموعة العوامل الخارجة عن ارادة البشر من كمية الامطار والثلوج المتساقطة ومواعيدها ودرجات الحرارة والرياح وتركيبة التربة والغطاء الأخضر وحاجة كل نوع من النباتات للمياه.
تجنب أو تجاهل هذه المجموعة من العوامل سواءٌ في الحديث العام أو القرارات الفنية والسياسية يعرضنا لمشكلات كبيرة؛ لأنه يضعنا في حالة من عدم الفهم لأهم المؤثرات على أوضاع المياه في العراق، وهو تنصل عن مسؤولياتنا تجاه الحفاظ على البيئة؛ فثمة تقصير كبير في هذا الموضوع أدّى
الى التأثير على نوعية المياه وكذلك على مستوى حاجة العراق منها مع تزايد التعديات على الانهار وتقلص الغطاء الأخضر بالتزامن مع الارتفاع المستمر لدرجات الحرارة عالمياً وتراجع كميات الامطار واضطراب مواعيدها نتيجة الاختلال البيئي العالمي الذي دفع الاهتمام بالبيئة الى قمة اولويات الحكومات وهو إذا لم يحدث عندنا أيضا فستبقى أزمات المياه في تصاعد مطّرد.
وملف علاقة البيئة بالمياه لا يلقى اهتماماً كبيراً حتى في الاعلام وفي الدوائر المختصة؛ لأن الجميع يرى فيه ملفاً معقداً ويحتاج الى كثير من الخطوات والتشريعات وعوامل أخرى مثل زيادة عدد السكان وتصاعد استهلاك المياه والإخفاق في عملية ترشيد هذا الاستهلاك.
٢- العراق بلد مصب للأنهار التي يعتمد عليها وليس بلد منبع؛ فمعظم مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما تقع خارج العراق، وتمر هذه المياه لمسافات طويلة أحياناً داخل بلدان المنبع أو الممر (إيران- تركيا- سوريا)، ولذلك فإن الأوضاع السياسية والعلاقات البينية تؤثر كثيراً على كمية ونوعية المياه التي تصل العراق كما إن استغلال واحتياجات هذه الدول وسياساتها المائية والزراعية وما يتصل منها كذلك بالطاقة تؤثر على كمية ونوعية المياه الواصلة الى العراق ومواعيد ارتفاع وانخفاض مناسيب الأنهار. علاقات العراق بهذه البلدان مرّت خلال العقود الماضية بكثير من المطبّات والمشاكل وأثّر هذا كثيراً على التنسيق بين هذه البلدان في إدارة المياه والتأسيس لعلاقات مائية ثابتة بعيداً عن المؤثرات السياسية اليومية نظراً الى أن هذا الملف إنساني قبل كل شيء.
للأسف لا توجد لحد الآن اتفاقيات كافية وملزمة لتوزيع المياه وادارتها بين الدول المتشاطئة، كما أن المجتمع الدولي يفتقر الى قوانين أو تشريعات تضمن حقوق الدول المتشاطئة/المتشاركة في مياه الأنهر تحدد آليات لتقاسم المياه وطرق وحدود الانتفاع منها. وقد صدر عن الأمم المتحدة ميثاق لتنظيم استغلال المياه غير الملاحية في 17 آب 2014 بعد فترة طويلة من طرح الميثاق للتوقيع من قبل 35 دولة ويشتمل على توصيات عامة وغير ملزمة حتى الآن.
كنا دائماً من دعاة تشكيل لجنة فنية دائمة غير سياسية تؤسس لتفاهمات ثابتة بين الدول الأربع للعمل وفق "خطة تشغيلية" للمياه تأخذ بنظر الاعتبار حاجة وظروف وخطط كل دولة، مع تجنب مصطلحات من نوع "حروب المياه" وكذلك عدم استخدام لغة عدائية ومتشنجة في التعامل مع ملف المياه وفي العلاقة بهذه الدول التي هي بدورها لها مصالح في العراق الذي لو قرر بناء "دبلوماسية مياه" حقيقية لتمكن من حل جميع المشاكل خلال فترة معقولة.
لكن الذي يحدث ومنذ سنوات أننا في العراق نهمل هذا المسار فتتراكم المشاكل ويرتفع منسوب التوتر السياسي والشعبي كلما انخفضت مناسيب المياه ثم نعود لننسى المشكلة مع معاودة ارتفاع المياه أو تراجع الحاجة الموسمية لها غير مبالين بالمسار العام لهذه الأزمة ولا مطلعين على ظروف الدول الثلاث الأخرى.
٣- إدارة المياه
تحتاج ادارة الموارد المائية في العراق ليس فقط الى تحسين نمطها في التحكم إدارة المياه، بل الى تحديث شامل وتغييرات جوهرية تراعي التغييرات المناخية وحاجة دول الجوار والأهم التطورات الحاصلة في إرواء الأراضي الزراعية بما يكفل عدم اهدار المياه الذي تتسبب به الطرق القديمة العشوائية في الري، بينما ما يحدث هو الخفض المستمر في موازنة الموارد المائية. ناهيك عن حاجة العراق الى بناء سدود إضافية لخزن المياه وتوليد الطاقة الكهربائية ومزايا أخرى كثيرة خاصة في منطقة اقليم كردستان وزيادة في أعداد المبازل واستخدام طرق واجهزة حديثة ومختبرات متطورة لمراقبة نوعية المياه وكذلك تبطين السواقي لتقليل التسرب والاهتمام بالغطاء الأخضر لتقليل التبخر وادارة جيدة لمراقبة استهلاك المياه في كل المواقع بالإضافة الى زيادة الاستثمار في قطاع الموارد المائية.
٤- الوعي العام
نتيجة لتراكمات ثقافية واجتماعية قديمة يتم التعامل مع المياه في العراق بدون حرص باعتبارها شيئاً مجانياً متاحاً طوال الوقت؛ فيتصرف الأفراد والمؤسسات مع هذه الثروة باستسهال وبدون تفكير وهذا يؤدي الى هدر كبير في المياه واساءة استخدام وتعديات كبيرة على مصادر المياه، لذلك لا بد من اطلاق ستراتيجية توعوية للتعامل مع ملف المياه، لا أن يقتصر الأمر على حملة آنية قصيرة الأمد، بل على وضع ستراتيجية وعي وطني وإعادة فهمنا لمشكلة المياه وكيفية استخدامها بغية الحد من استهلاكها، تتضمن برامج تربوية دائمة في المدارس وكذلك برامج اعلامية مبتكرة لتوعية المواطنين من مختلف الاعمار والفئات بأهمية ترشيد استهلاك المياه وعدم تلويثها وطرق المحافظة عليها.
إن زيادة السكان وتوسع الحاجات للمياه وتنوع انماط الاستهلاك وكذلك التغييرات البيئية كلها تؤثر سلباً على كمية ونوعية المياه المتوفرة وتسبب ضغطا كبيراً على مصادرها، لذلك نحتاج الى خطة شاملة مدعومة بإرادة سياسية قوية للتعامل مع هذا الملف الوجودي المهم وتشكيل لجنة عليا دائمية باشتراك الوزارات والمؤسسات المعنية مع صلاحيات واسعة للحفاظ على كمية ونوعية المياه في العراق.
الملاحظات
+ يوجد تقصير كبير في الحفاظ على البيئة أدى الى التأثير على نوعية المياه وكذلك على مستوى حاجة العراق منها مع تزايد التجاوزات على الأنهار وتقلص الغطاء الاخضر.
+ ملف علاقة البيئة بالمياه لا يلقى اهتماما كبيراً حتى في الاعلام وفي الدوائر المختصة لأن الجميع يرى فيه ملفاً معقداً ويحتاج لكثير من الخطوات والتشريعات.
+ الأوضاع السياسية والعلاقات البينية تؤثر كثيراً على كمية ونوعية المياه التي تصل العراق.
+ تشكيل لجنة فنية دائمة غير سياسية تؤسس لتفاهمات ثابتة في ملف المياه بين الدول الاربع للعمل وفق "خطة تشغيلية" للمياه تأخذ بنظر الاعتبار حاجة وظروف وخطط كل دولة.
+ تحتاج ادارة الموارد المائية في العراق ليس فقط الى تحسين بل الى تحديث شامل وتغييرات جوهرية تراعي التغييرات المناخية وحاجة دول الجوار والأهم التطورات الحاصلة في إرواء الأراضي الزراعية.
+ لا بد من اطلاق ستراتيجية توعوية للتعامل مع المياه وليس حملة آنية قصيرة الأمد بل وضع ستراتيجية وعي وطني واعادة فهمنا لمشكلة المياه وطريق إستخدامها للحد من إستهلاكها تتضمن برامج تربوية دائمة في المدارس وكذلك برامج اعلامية مبتكرة.
لا تريد بعض الحكومات حول العالم تغيير برامجها السياسية واجنداتها، وهي تمتنع عن الانتباه الى صدمات الطبيعة واجراس الانذار المتلاحقة والكوارث اليومية التي ترسلها الطبيعة لأنها لا تريد خسارة الارباح الشعبية والمالية التي تحصل عليها نتيجة الابقاء على اجنداتها التقليدية التي يكون الانشغال بالبيئة الى جوارها مضيعة للوقت في حسابات الساسة الجشعين المنهمكين بمصالح مصانع وشركات التسلح والاستثمارات العقارية الواسعة وفي المجالات الأخرى دون مراعاة الطبيعة وما تخلفه من كوارث خطيرة، بل يفعلون العكس عبر التمسك بمنهج التوسع في الاستهلاك الفردي وفي الاستثمارات العقارية والسياحية والمواصلات وهي كلها اعتداءات على الطبيعة التي ترد الصاع صاعين للانسان الذي يتجاهل ما تجنيه يداه وحكوماته عليه وعلى الكوكب كله، كما ان الزيادة الكبيرة في السكان والافراط في استخدام موارد الطبيعة بلغ مستويات لا يمكن لكوكبنا مجاراتها.
حتى اذا لم يكن وباء كورونا هو نتاج صناعي متعمد كما تقول الكثير من الاتهامات المتبادلة بين الدول الخاضعة الآن للتحقيق في أصل الفايروس القاتل، فإن الاتهامات كشفت وجود اسراف وتهور في عمليات تصنيع الجراثيم والفايروسات وانتشار مختبرات التصنيع حول العالم واستسهال التلاعب بالطبيعة وهذا يعني ان البشر مهددون دائما بانفلات هذه الكائنات المصنعة في حالة حدوث اي خطأ او اي تماد في التجارب.
سياسة التوسع العمراني والسياحي واستغلال المواد الاولية ومد شبكات الطرق وما يرافقها من شبكات كهرباء وصرف صحي كشفت خلال الحرائق الكارثية في عدة دول (تركيا، استراليا، امريكا، اليونان، قبرص، ايطاليا، لبنان،....) ان الجشع دفع البشر لممارسة اعتداءات هائلة على الطبيعة حتى لم يعد ثمة مكان يمكن توصيفه كمكان ناء بعيد عن استغلال البشر يبقى رئة نقية للارض بلا اكياس وعبوات بلاستيكية ولا مخلفات بشرية وصناعية وبلا دخان سيارات الدفع الرباعي ودخان الطائرات ولا مواد الانشاء الثقيلة التي تحقق احلام الاثرياء بأبنية معلقة في الجبال او في وسط الغابات تخرب الحياة الطبيعية من اجل قضاء وقت قصير بتأثير هوس السياحة او الترف الذي تحول الى مرض يتمثل ببناء بيوت وقصور لا يسكنها احد عمليا لكنها توفر مظهريات الامتلاك السياحي وهي عدوى انتقلت سريعا من القلة الثرية الى كل الطبقة الوسطى.
لا تريد الحكومات تعديل اولوياتها ودفع الاهتمام بالبيئة الى مقدمة اجندة اعمالها لأن ذلك يزعج كبار الرأسماليين كما لا يثير اهتمام الناس البسطاء والبيئة ايضا ليست مادة اعلامية مثيرة تسمح لأي سياسي عابر ان يستعرض عضلاته في وسائل الاعلام لذلك لا تركز عليها وسائل اللغو اليومي التي تتحكم بالرأي العام، هذه الوسائل التي تقدم دائما انصاف المتعلمين الذين لا يمتلكون تخصصا علميا يسمح لهم بالتعمق في اي موضوع لذلك يختارون كل ماهو سطحي وعابر وهذا ما لاينسجم مع الانشغال بالبيئة.
المشاكل البيئية هي اليوم جوهر الازمة المركبة في العالم وفي العراق ايضا، وعندما نقول "مشكلة بيئية" فنحن لا نتحدث عن ترف بل عن دورة كاملة من الازمات، لو اخذنا العراق كمثل، فإن التوسع في انتاج النفط والغاز بدون احتياطات للآثار الطبيعية يعني تراجعا في الغطاء الاخضر وبالتالي ارتفاع في درجات الحرارة وزيادة في الطلب على الكهرباء لاغراض التبريد المنزلي ويعني ايضا زيادة في الحاجة الى المياه واتساع رقعة الصحراء وبالتالي خلل في توفير الغذاء وفي القدرة على توفير مزيد من المساكن النظامية للمواطنين (نتيجة نقص الكهرباء والماء) وهو ما يؤدي بالتالي الى توسع عشوائي في المساكن ثم المزيد من الاعتداء على الطبيعة وتدمير المزيد من الرقعة الخضراء وانهاء شبكات الري الصغيرة التقليدية التي تروي الاراضي منذ عشرات السنين بسبب القطوعات التي يحدثها البناء العشوائي للمساكن.
الساسة والاعلاميون على السواء لا يحبون مناقشة هذه الحلقة التدميرية كتخصص بل يذهبون بسرعة الى المهاترات ومناهج التحريض والتهييج غير المفيدة عبر توجيه الاتهامات السهلة عن نقص المياه دون الاهتمام بالقضية البيئية التي تهدد العراق وجيرانه على السواء، في قطاع الكهرباء تكون الوجهة دائما لمزيد من التعاقدات التي تسبب الفساد وبالتالي المنافع للساسة، وكل هذا ينفع اعلاميا اما ملف المعالجة البيئية فلا يريد احد اشغال نفسه به، وكلما اتسع انشغالنا بالجدل السياسي تراجعت مناسيب المياه في الانهر وتصحرت المزيد من الاراضي وتعمقت الازمة وتجاهلنا حاجة العراق لإدارة حقيقية وحكيمة لملفات المياه والكهرباء.
الاتجاه نحو مواجهة الازمة البيئية يعني تغييرا كبيرا في العقل السياسي والثقافة السياسية حول العالم وكذلك تحولا في الاخلاقيات الفردية وسلوكيات الاستهلاك والانفاق وايقاف الانبهار بالتكنولوجيا وبعروض تجار التجزئة عبر البريد الذين يغرقون المنازل بنفايات الاغلفة ليحاصروا الطبيعة بمنتجات لا تتلف وتستمر بتسميم التربة لعقود من السنين وربما لقرون.
ان البشر بحاجة لجهود كبيرة ووقت طويل لإعادة تنظيم حياتهم وللتوقف عن عملية الاعتداء المستمر على الطبيعة ومحاولة تفهم قوة هذا الكون الرادعة وان تكون هناك حدود لرغبات الاثرياء الذين يظنون ان اموالهم تطلق يدهم في استغلال موارد الطبيعة وتخريبها لتحقيق اهوائهم الشخصية بلا حدود وانهم قادرون على شراء كل ما على الارض والعبث بها في حين يفترض الواقع على الجميع الانسجام مع الطبيعة بدلا من الاستمرار في مواجهتها بتأثير هوس الانسان بالسيطرة والا فإننا نقترب من الكارثة بسرعة جنونية مع زيادة عدد السكان والاستهلاك والمفروض بالحكومات كافة أخذ اجراءات جدية وجذرية بهذا الخصوص.
السليمانية
10/8/2021
رغم إن الانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها في تشرين الأول المقبل جاءت على خلفية التظاهرات والاحتجاجات الشعبية الواسعة في عام 2019، التي أطاحت بحكومة كاملة ووضعت مجلس النواب في حالة انذار دائم لتشريع قوانين تلبي مطالب المتظاهرين خشية من ان يضعه المحتجون في جدول السلطات التي اشترطوا تغييرها، إلا إن القوى والاحزاب الحاكمة تعيد طرح نفسها باوجه واشكال مختلفة بعد ان تمكنت من ايجاد ثغرات في قانون الانتخابات الذي تشوبه الكثير من الملاحظات والمثالب.
أول ملامح النهج القديم في ادارة الانتخابات هي احاطتها بالغموض والشكوك بطريقة احبطت الامل لدى المواطنين الراغبين باجراء تغيير جذري في العملية السياسية، فموعد اجراء الانتخابات نفسه محل شك فرغم اصرار البعض على اجرائها في موعدها (10/10/2021) الا هناك مطالبات جدية بتأجيلها وحديث عن طعونات بقانونها تقدمت بها شخصيات وقوى، وينتشر التشكيك باجراءات المفوضية كما تشيع الشكوى من عدم توفر البيئة الانتخابية الآمنة والعادلة بسبب التزوير والسلاح المنفلت والمال السياسي حتى وصل الأمر الى دعوات المقاطعة المعلنة من قوى مهمة.
من الملامح الأخرى لإستنساخ التجارب الانتخابية الفاشلة، هي جهل الناخبين بالمرشحين حيث يتم تقديم أسماء عائمة في حفلات تعريفية صاخبة يقودها غالبا زعماء الاحزاب الذين قد لا يكونون مرشحين اصلا، والى جانبهم تقف وجوه مجهولة بلا تاريخ سياسي او مهني ولا برامج واضحة، بل ان العديد من الاحزاب تصر على ابقاء مرشحيها مجهولين حتى اقتراب موعد الانتخابات لتضع جمهورها وكادرها الحزبي أمام الامر الواقع فإما ينفر هؤلاء من الانتخابات كلها ويمتنعون عن المشاركة او انهم سيصوتون دون قناعة ولاءا لحزبهم بما يؤدي الى صعود شخصيات ضعيفة بلا كفاءة ولا فكر، غير قادرة على المبادرة ولا تملك الجرأة لرفع صوتها في البرلمان ولا ابلاغ قيادتها الحزبية بالواقع السياسي والمشاكل الحقيقية ليقضي النائب الضعيف الدورة البرلمانية صامتا خاملاً دون فائدة.
إن تفرد ومزاجية القيادة الحزبية في تسمية المرشحين دون مراجعة لتاريخهم وادائهم ولا لمدى شعبيتهم وبالتزامن مع غياب البرامج والمشاريع الحقيقية التي تتجاوز الوعود المائعة تدفع الى مزيد من الاحباط الشعبي، وتؤشر على التوجه مرة أخرى الى انتاج حكومة ضعيفة هزيلة تفتقر الى برنامج مدروس او مشاريع ستراتيجية، تقضي عمرها في عمليات من ردود الافعال على ما يحدث وهي تنتظر منشورات الفيسبوك او ما يفعله الشارع، او التوجهات والتوجيهات الخارجية وما يؤكد هذا التوقع هو اسراع الاحزاب الحاكمة لبحث توزيع المناصب من الآن، وذهبت بعض الاحزاب الى اعادة طرح نفس نوعية الشخصيات الموجودة في الحكم اليوم، والتمسك بها لتدفع المواطن الى التساؤل عن معنى اجراء الانتخابات اذا كانت الاحزاب ستتصرف بنفس الطريقة التي أنتجت بحر الفشل الذي نغرق فيه اليوم.
ويشكل استخدام المال السياسي واحدة من أخطر ملامح استنساخ التجارب الانتخابية الفاشلة، ما من شأنه ان يدفع بالمواطنين الى مقاطعة الانتخابات، كما فعلوا سابقا، حتى وان شاركوا بحملات الدعاية الانتخابية ليسدوا جوعهم بتأمين وجبة طعام او مبلغ زهيد يحصلوا عليه من المرشحين او وعد بالتعيين في وظيفة حكومية، فالمشاركة الشعبية بحملات الدعاية الانتخابية، لايعني بالضرورة الحضور يوم الاقتراع في المراكز الانتخابية، بل ان المواطن بات يتحين الفرص ليثأر وينتقم من الاحزاب، فهو حتى وان شارك في حملات الدعاية الانتخابية الا انه وبعد انتهاء الحفلة "يلعنهم" سرا او علنا.
خطورة استخدام المال السياسي لا تتوقف هنا بل تعني اننا مقبلون على موجة فساد جديدة لتعويض الخسائر في الحملات الانتخابية والدفع مقابل التسويات السياسية وكذلك لإسكات بعض الاصوات المعترضة.
إن العراق وفي ظل سيطرة المال السياسي والسلاح المنفلت وهيمنة وفرض سطوة الجماعات المسلحة على مراكز القرار والتحديات والظروف العصيبة التي يمر بها، هو بامس الحاجة الى اجراء انتخابات حرة نزيهة عادلة، الا ان ذلك يتطلب تهيئة الارضية الملائمة واعادة هيبة الدولة ونفوذها.
27-12-2020 الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد – السليمانية
أصبح ملف الطاقة جرّاء الازمة الاقتصادية والتداعيات التي خلفها ملف النفط والغاز في اقليم كردستان والعلاقة بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية، الشغل الشاغل لجماهير كردستان والعراق والاوساط السياسية والحكومية والاعلامية.
فيما يخص رواتب الموظفين والملاكات الحكومية المتأخرة، مع انها استحقاق لكل موظف في الاقليم الا انها لا توزع كما ينبغي، ورغم انها تتاخر في كثير من الاحيان وتمنح خلال فترات متباعدة، الا ان حكومة الاقليم لم تكتف بذلك، ولجأت الى استقطاع نسب كبيرة من رواتب الموظفين دون ان تستند في ذلك على اية معطيات قانونية.
تعاطي حكومة الاقليم وفقا لهذه الالية مع رواتب الموظفين يمثل اجراءً غير شرعي نادر على المستوى الوطني وعلى صعيد مختلف دول العالم، ويندر حتى في الانظمة الدكتاتورية، ان تجد حكومة تستقطع رواتب موظفيها وتتلاعب باستحقاقاتهم الوظيفية.
حتى ان بعض الحكومات والانظمة تلجأ قبل ان تفكر في المساس برواتب موظفيها وملاكاتها العامة الى خيارات اخرى، مثل حل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة، او تخفيض رواتب وامتيازات المسؤولين بدءاً برئيس الحكومة نزولاً حتى أصغر المسؤولين، في مسعى منها لتأمين رواتب الموظفين وخصوصا الشرائح الضعيفة من المجتمع.
الا اننا ومع الاسف نجد بان المسؤولين في الاقليم اصبحوا عبئاً ثقيلاً على كاهل المواطنين، وفي سبيل الحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم الشخصية وامتيازات حاشيتهم والمقربين منهم، تجاوزوا على القوانين والدستور، الامر الذي ادى تحميل المواطنين تبعات سلبية افقدتهم القدرة على التحمل.
وفي مقدمة النقاط التي يتم بحثها والاشارة اليها هي تعاطي حكومة الاقليم مع ملف النفط والغاز والكمارك والنقاط الحدودية؛ لأن تلك النقاط خلفت مشاكل كبيرة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، تفاقمت عقب عام 2014، وذلك بعد تصدير النفط بنحو منفرد من قبل حكومة الاقليم، وتوقيعها على العشرات من العقود النفطية مع شركات اجنبية، دون العودة الى بغداد، كما ينص الدستور العراقي.
يبقى ملف النفط في الاقليم ولغاية الان مجهول المعالم، وعلى الرغم من توقيع عشرات العقود النفطية طويلة الاجل، الا انه لا الاحزاب السياسية في كردستان ولا الشعب او البرلمان والمنظمات ومؤسسات حكومة الاقليم، مطلعة على تفاصيل هذا الملف وتجهل لحد الان فحواه، فضلاً عن ان الحكومة الاتحادية ومجلس النواب العراقي يعتبران تجارة وتصدير النفط من قبل حكومة الاقليم اجراءً غير شرعي وغير قانوني، لانه لم يحصل على موافقة مجلس النواب والحكومة الاتحادية، حتى ان الرئيس الراحل مام جلال حذر المسؤولين في الاقليم عبر رسالة رسمية، من خطورة الاستمرار بهذه السياسية، التي تتعارض مع القوانين والدستور العراقي، اضافة الى انها تهدر ثروات الاقليم وتهدد مستقبل اجياله القادمة، فضلاً عن انها تضع ثرواته تحت تصرف دول الجوار.
ما نراه الان من انعدام للشفافية وسوء للادارة والاهدار والتلاعب الواضح والهيمنة والسيطرة الحزبية على آبار النفط وتجارة وبيع النفط والغاز، هو جزء من التبعات الكارثية لهيمنة الاحزاب وسيطرتها على هذا الملف، بعيدا عن مؤسسات ودوائر حكومة الاقليم.
اذا سياسة تحقيق الاستقلال الاقتصادي التي انتهجتها حكومة الاقليم خلال الاعوام الماضية، تحولت الى عبء وتركة ثقيلة، تسببت باهدار ثروات الاقليم وتحميل المواطنين تبعات قروض طائلة ستجعلهم يتحملون اثارها للسنوات المقبلة.
كان ينبغي بالاحزاب السياسية الحاكمة وحكومة الاقليم مراجعة الذات وايقاف نزيف الثروات المستمر، واعادة هذا الملف الى برلمان الاقليم والجهات المختصة، لاعادة النظر به وتصويبه ليتم تسليمه لاحقا الى الحكومة الاتحادية، لترى مدى الاستفادة المتحققة من وراء هذا الملف الذي اثبت فشله، نظراً لان العقود التي وقعتها حكومة الاقليم مع شركات النفط العاملة في الاقليم عقود شراكة وليست عقود خدمة، كما هو معمول به لدى الحكومة الاتحادية.
الان، وبعد ان كثر الحديث عن العقد الخمسيني الذي وقعته حكومة الاقليم مع تركيا والذي ينبغي ان لا يطلق عليه صفة عقد قانوني، لافتقاره الى المقومات القانونية ولايتوافق مع الدستور العراقي، مما يمنح حكومة الاقليم باعتبارها جزءاً من العراق حق التراجع عن هذه العقود، دون ان يترتب على كاهلها اية تبعات قانونية، لذا فانه ينبغي اتباع بعض النقاط والخطوات الهامة لمعالجة الازمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتي تتمثل في:
1- اعادة بناء الثقة بين المواطنين وحكومة الاقليم من ناحية، وبين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية من جهة اخرى، واناطة هذا الامر باشخاص خبراء مهنيين لتحقيق المصلحة العامة وليس مصالح الاشخاص والاطراف الحزبية.
2- تحقيق الشفافية في ملف النفط والغاز والايرادات الاخرى والكشف عن حجم القروض المتراكمة بذمة حكومة الاقليم، اضافة الى الكشف عن حجم الايرادات وآلية توزيعها امام برلمان كردستان، ومجلس النواب والحكومة الاتحادية.
3- الاتفاق مع الحكومة الاتحادية على عقود النفط التي وقعتها حكومة الاقليم في قطاع النفط والغاز، واعادة النظر بها من قبل مجلس النواب والحكومة الاتحادية.
4- تسمية وفد رفيع المستوى من الخبراء والمهنيين، لاعادة التفاوض مع الحكومة الاتحادية، حول ملف النفط والغاز والاستحقاقات المالية الاخرى لحكومة الاقليم التي تقع بذمة الحكومة الاتحادية، وحسم الملفات العالقة المالية والادارية والفنية مع الحكومة الاتحادية.
5- مساءلة ومعاقبة ومقاضاة المسؤولين المتسببين عن خلق الاوضاع الاقتصادية والمالية الاستثنائية، اضافة الى اعادة الثقة بمؤسسات الدولة.
6- انتهاج سياسة واقعية تحظى بالشفافيه في ملف النفط والغاز، والايرادات المالية، وخصوصاً في هذه المرحلة التي يمر بها اقليم كردستان والعراق والمنطقة بأزمة مالية حادة.
7- تكثيف المساعي مع الحكومة الاتحادية لتشريع قانون النفط والغاز، لأن انعدام مثل هكذا قانون تسبب بخلق مشاكل وازمات اقتصادية وادارية وفنية كان يفترض اقرار القانون منذ عام 2007 .