في ظل الاوضاع السياسية والاقتصادية والادارية المزرية التي يعاني منها المواطنون في اقليم كردستان منذ سنوات التي ترتبت عن اخطاء السلطات وبعض المسؤولين وادت الى حصول تدهور خطير للمستوى المعيشي وتراجع الخدمات وفقدان الرواتب وتفشي البطالة، وعلى الرغم من امتلاك الاقليم لثروات طبيعية كبيرة متنوعة من نفط وغاز ومياه واراضي زراعية خصبة شاسعة، الا ان شيوع عقلية التسلط وعدم اعتماد خطط وبرامج مدروسة وتغييب العقول والكفاءات، والتنصل من المسؤولية اسهم بتفاقم الاوضاع وتدهورها في مختلف المجالات باقليم كردستان.

تقوم اغلب المؤسسات ووسائل الاعلام والصحفيون على نحو يومي بتسليط الضوء بشكل مفصل ومن مختلف الجوانب على تداعيات الاوضاع الراهنة وما تمثله من مخاطر وتاثيرات سلبية على كاهل المواطنين، الا ان المسؤولين الذين كانوا السبب وراء بروز هذه الازمات او الاحزاب السياسية وحكومة الاقليم غير مستعدين لتحمل المسؤولية، وتكبد عناء البحث عن ايجاد حلول ومعالجات للازمات المستفحلة، وبدلا من ان يعتذروا عن تفاقم الازمات والمشاكل التي خلفتها سياساتهم، نجد انهم يسعون الى التنصل وتحميل جهات اخرى مسؤولية اخطائهم الكارثية.

في معظم دول العالم وعلى الرغم من ان قسما منها لا يمتلك ثروات من نفط وغاز ومعادن او جغرافية مهمة كما لاقليم كردستان، فان تشخيص وتحديد مكامن الخلل والقصور في الاداء الحكومي والمؤسسات التنفيذية، احدى اهم الاسباب وراء التقدم والتطور وتصويب اداء المؤسسات الحكومية، والقدرة على معالجة المشاكل الاقتصادية والادارية، لايجاد حلول مناسبة لها عبر الاستفادة من الخبراء وذوي الشأن بنحو شفاف لتأمين معيشة واحتياجات المواطنين.

لا يمكن تبرئة الحكومة الاتحادية من مسؤولياتها لتأمين رواتب وميزانية شعب كردستان، لانه كان يفترض بها منذ سنوات العمل الجاد على تشريع قانون النفط والغاز الذي يرتبط ارتباطا مباشرا بتلبية استحقاقات المواطنين، ورسم شكل ونوع العلاقة الاقتصادية والسياسية بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية، وصياغة اسس للتعامل وتحديد الحقوق والواجبات في ملف النفط، بما يمنع انعكاس ذلك سلباً على الاوضاع المعاشية للمواطنين.

معالجة تلك الازمات مهم لحاضر ومستقبل الاقليم والمركز، لان الثروات التي تهدر الان دون وجه حق خارج نطاق القانون هي ملك للشعب، لذا يستدعي التصرف بها مراعاة مصالح جميع مكونات البلاد حاضراً ومستقبلاً.

بعد 28 عاما من الحكم في الاقليم وعلى الرغم من بروز العديد من الازمات والمشاكل، وعوضا من ان تستخدم السلطات الحاكمة استخراج وبيع النفط عاملاً اساسياً في اطار الحفاظ على موقع ومكانة الاقليم وضمان مستقبل اجياله القادمة، الا انها وبالعكس من ذلك حولت استخراج النفط وبيعه في الاسواق العالمية الى عامل لتبديد واهدار ثروات وموارد الاقليم، وقطع قوت الناس ووضع المواطنين في الاقليم تحت اعباء ديون وقروض كبيرة متراكمة.

كان اقليم كردستان ولغاية عام 2014 يحصل على ميزانيتة ومستحقاته المالية من الحكومة الفدرالية، كما انه كان للكرد دور مهم وفاعل في رسم سياسة البلاد وبناء مستقبله، الا ان سعي البعض لتحقيق المزيد من المكاسب المالية والامتيازات بملف النفط، دفعها لاعتماد سياسة الاستقلال الاقتصادي، وجاءت بـ"عبدالله عبدالله" الذي يدعى "اشتي هورامي" من لندن بتوصية من برهم صالح وقاموا بتسليمه ملف النفط دونما رقيب او حسيب، دون ان يدركوا بان استخراج وتصدير وبيع النفط في عالمنا الان ليس بالامر السهل، وعدا عن كونه يخضع للكثير من الاعتبارات السياسية والاستراتيجية والصراعات الاقليمية والدولية، فهو يتطلب استشارة جملة من الخبراء والفنيين والمهنيين، فضلاً عن حاجته لخبراء قانونيين ودستوريين.

عبدالله عبدالله “اشتي هورامي” قام بعد التشاور مع برهم صالح بالسيطرة والاستحواذ على ملف النفط والغاز في الاقليم، وكان يحتفظ بهذا الملف الحيوي والخطير في حقيبته، ليقوم لاحقاً مدفوعاً بمصالح شخصية وحزبية، دون وضع اعتبار لبرلمان كردستان والحكومة الاتحادية، بتوقيع العشرات من العقود النفطية بتوسط بعض الاشخاص، مع شركات النفط التي كان بعضها غير معروفاً، لقاء منحهم حصص وامتيازات كبيرة ما كانوا يحلمون بها في نفط الاقليم.

وبدلاً من ان يضع اقليم كردستان على خارطة الدول المصدرة للنفط المعتمدة لدى المجتمع الدولي كما كان يدعي، فانه وعلى العكس من ذلك تماماً، تسبب بخلق مشاكل وازمات لا تعد ولا تحصى للاقليم، وفي مقدمتها تفشي الفساد والتربح، وتبديد ثروات الشعب وتحكم شركات اجنبية بثروات الاقليم وارضه ومستقبل اجياله، فضلاً عن انه تسبب بخلق ازمة عميقة بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية، التي كانت تعارض تلك السياسية وتقول بانها ستؤدي الى اهدار نفط الاقليم الذي يباع بثمن بخس باسعار تفضيلية لعد من دول المنطقة.

وفقا لكتاب رسمي صادر عن رئاسة الوزراء العراقية في شهر كانون الاول عام 2007 بتوقيع رئيس الجمهورية مام جلال، ورئيس مجلس الوزراء نوري المالكي موجه الى رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، طالبا فيه بارزاني بالعدول عن السياسة النفطية التي اعتمدتها حكومة الاقليم، التي كانت تتيح لوزير الثروات الطبيعية في حكومة الاقليم اشتي هورامي، ان يوقع عشرات العقود النفطية خارج القانون ومواد الدستور، الذي صوت له الشعب العراقي، وطالباه كذلك في الرسالة ان ينتظر حتى تتوصل القوى والاحزاب السياسية الى اتفاق حول صيغة لاقرار قانون النفط والغاز والمصادقة عليه في مجلس النواب، ليضع بدوره اطاراً قانونياً لطبيعة العلاقة النفطية بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية، وما يمكن ان يتيحه من مساحة للاقليم للتحرك فيها بما يتعلق بالاتفاق وتوقيع العقود النفطية، الا ان حكومة الاقليم معتمدة على تقارير خاطئة من اشتي هورامي، الذي كان مدفوعا بمصالح خاصة ضيقة استمر على سياسته وتوقيع المزيد من العقود النفطية.

سياسة الاستقلال الاقتصادي المزعومة التي كان اشتي هورامي يروج لها فشلت في ادعاءاتها ودفعت بالحكومة الاتحادية مرغمة الى ايقاف ارسال حصة الاقليم التي كانت تبلغ آنذاك 17% من اجمال الموازنة الاتحادية، الامر الذي وضع الى جانب الانخفاض الحاد في اسعار النفط حكومة الاقليم في مأزق اقتصادي ومالي، ليكون شعب كردستان ومواطنوه الضحية الاولى لتلك السياسة الخاطئة التي دمرت اقتصاد الاقليم وبددت ثروات اجياله.

اي دولة او حكومة تحترم شعبها وتعير للقانون وسيادته احتراماً وتدعي الديمقراطية والشفافية في ادارة شؤون البلاد، ينبغي ان يكون لها قانون ينظم الايرادات والنفقات السنوية يكشف بكل صراحة عن نفقاتها وحجم الديون والجهات التي اقترضت منها وكيفية التصرف بالاموال التي تم اقتراضها، وان يتم محاسبة ومساءلة الاشخاص والجهات والمؤسسات التي تتسبب بحدوث الفساد وتحميل الحكومة نتائج سياسات خاطئة اسهمت في تراكم الديون وتبديد الثروات.

في اقليم كردستان ومع الاسف الشعب والمواطنون وممثلوهم في برلمان اقليم كردستان، ليس لديهم علم بحجم وتفاصيل الديون التي تراكمت على حكومة الاقليم، والسبب وراء الاقتراض وممن، هذا اضافة الى عدم علمهم بحجم الايرادات وكميات بيع النفط والمبالغ المستحصلة والية توزيعها والتصرف بها.

وبدلاً من ان تتحمل رئاسات حكومات الاقليم السابقة والحالية جزءا من المسؤولية والتبعات القانونية للاخطاء والسياسات الفاشلة، التي انتهجتها وادت الى تحميل المواطنين في الاقليم عبء ديون طائلة، ما يدفع الى التساؤل عن الوضع في الاقليم ومتى يدق ناقوس الخطر لمحاربة الفساد والقضاء على المحسوبية وانعدام الشفافية لدى حكومة الاقليم.

ما يحصل من اهدار كبير للثروات العامة وفي مقدمتها النفط والغاز وابعاده عن التدخلات والاملاءات الخارجية ومعالجة المشاكل العالقة مع الحكومة الاتحادية وفقا للدستور والقوانين بات امرا ملحاً لايمكن تاجيله او التغاضي عنه.

هذا فضلاً عن ان وضع برامج مدروسة عملية لمعالجة الاوضاع السياسية والاقتصادية والادارية المزرية لاقليم كردستان، من مختلف النواحي واعتماد خطط لاعادة الاعمار ومحاربة الفساد والامتيازات غير الشرعية، لا يمكن ان يتم من خلال الاشخاص الذين كانوا وراء تفشي الفساد وهم مستمرون في السلطة لحد الان في اقليم كردستان.

 

جريدة الصباح الجديد

20 حزيران 2020