د. عبد اللطيف جمال رشيد

المستشار الأقدم لرئيس الجمهورية

وزير الموارد المائية الأسبق

 

 

أفرزت نتائج الإنتخابات التشريعية الأخيرة في إقليم كردستان الكثير من النتائج المباشرة والمتمثلة بعدد أصوات الناخبين التي حصل عليها كل طرف من الأطراف التي شاركت في الانتخابات.

وعندما تحصد القوى السياسية النتائج المباشرة لأي انتخابات على شكل أصوات ثم مقاعد في البرلمان فإن المهم لها هو أن تتفهم النتائج الأخرى للانتخابات وأن تدرسها وتتأمل فيها قبل أن تأخذ اجراءات وتقرر أحكاما حول طبيعة عملها وسياساتها وبرامجها.

إن حصيلة الإنتخابات هي عبارة عن نتائج مستخلصة لتقييم الرأي العام للناخبين وموقفهم من أداء القوة السياسية خلال دورة سابقة ولموقف أولئك الناخبين من البرنامج المطروح لدورة مقبلة ثم الموقف المباشر من المرشحين أنفسهم باعتبارهم ممثلين قادمين للقوة السياسية في البرلمان.

لايمكن تصور نتائج أي الإنتخابات أن تسير بوتيرة واحدة, ولا يمكن لحزب، أي حزب في دولة ديمقراطية أن يحافظ على خط بياني مستقر في كل انتخابات، ومن هنا يأتي تبادل الأدوار بين القوى السياسية بين موقع معارض مرة وموقع حكومي مرة أخرى في الديمقراطيات المختلفة في العالم وإلا فأن الركود والاستقرار على حكومة دائمة من طيف سياسي واحد هو أمر أشبه بالمستحيل ديمقراطياً.

صعود أو هبوط عدد مقاعد قوة سياسية في البرلمان في انتخابات معينة هو نتيجة طبيعية في حياة ديمقراطية، بل هو من معالم الديمقراطية ومدى تقدمها وتقدم الوعي الشعبي بشأن استخدام الانتخابات للتعبير عن موقفه وعن ضغطه من أجل التغير.

في الحياة الديمقراطية وكما تستخدم الناس حقها في التعبير عن الرأي فإنها في المحصلة الأخيرة تستخدم أصواتها في التأييد والرفض أو الثواب والعقاب إن جاز التعبير. والديمقراطية التي تريد البقاء على موقف ثابت ولا تبدّل للنتائج الانتخابية هي ديمقراطية مشوهة، والقوى السياسية لا تكون قوى ديمقراطية ما لم تقبل أولاً بحكم الناخبين كما تعبر عنه أصواتهم الانتخابية وما لم تراجع نفسها ثانياً وتراجع برامجها وسياساتها في ضوء نتائج الانتخابات.

في ضوء هذا يمكن هنا تشخيص جوانب ما أفرزته نتائج الإتحاد الوطني الكردستاني في الانتخابات التشريعية الأخيرة. وهي نتائج لا يمكن عزلها بأي حال من الأحوال عن ظرف الاتحاد وهو يخوض أول انتخابات من دون إشراف وتخطيط وعمل مباشر من أمينه العام فخامة الرئيس مام جلال الذي كان يتابع الانتخابات من مشفاه في ألمانيا حيث تلقى نتائجها هناك.

ففي الفترة الأخيرة التي سبقت الانتخابات، بدا الإتحاد الوطني كما لو أنه مجموعة قيادات يعمل كل منها في إطار مصلحته الخاصة, بدلاً من العمل بروح القيادة الجماعية واتخاذ القرارات وفقاً لذلك, إذ ركّز البعض من هذه القيادات ومنذ فترة من الزمن على الترويج لذواتهم عن طريق وسائل الإعلام المختلفة والسعي لترضية بعض الإعلاميين بكتابة مقالات بعيدة عن أرض الواقع بدلاً من التركيز على نهج وبرنامج عمل الإتحاد في الإستعداد للإنتخابات وتشكيل الحكومة.

قام قسم من القيادات الحزبية في بعض الحالات بالتنصل من مسؤولية القيام بواجباتهم وخدمة الناس والجماهير في تقديم الخدمات الرئيسة في المناطق المختلفة وخاصةً في القرى والأرياف خارج مراكز المدن الرئيسة كالسليمانية ودهوك وأربيل, فضلاً عن عدم إتخاذ الخطوات الجدية في مكافحة الفساد والحد الإمتيازات التي يتمتع بها البعض من القيادات والمسؤولين. لذلك فليس من المستغرب أن تجد الكثير من المواطنين يشكون عدم اهتمام هؤلاء المسؤولين بحل مشاكلهم الرئيسة وانعدام الزيارات الميدانية لمناطقهم عند توليهم للمناصب الحكومية وفي فتراتٍ مختلفة, وكذلك حصول قناعة في بعض الميادين بأن الإتحاد الوطني الكوردستاني قد فقد استقلاليته السياسية والإدارية ووقع في فخ اتخاذ القرارات السياسية والإدارية المتسرّعة نتيجة للخلافات الداخلية أو الصراعات حول الإمتيازات.

ومن المشاكل الجديرة بالانتباه أن الترشيح للانتخابات لم يفرز الكفاءات الموجودة داخل المجتمع، فاختيار المرشحين من دون مراعاة الكفاءة والشعبية خلق فجوة بين المرشحين وبين الجمهور، سواء العام أو المؤيد للإتحاد.

كما أن عدداً من أعضاء قيادة الإتحاد الوطني وحين تسلمهم للمسؤوليات الحزبية والحكومية والبرلمانية في الإقليم فشل في التواصل مع الجماهير في كثير من المناطق وأيضاً في تقديم الخدمات المطلوبة لهم أو أداء واجباتهم بشكل جيد لخدمة الجماهير، وهو فشل دفع ثمنه الإتحاد الوطني الذي كان دائما الأقرب إلى نبض الناس ومعاناتهم وحياتها اليومية.

الإتحاد الوطني هو تنظيم يؤمن بقيم الديمقراطية وكان تاريخه عملا متواصلاً من أجل إرساء أسس الديمقراطية في العمل الحزبي، ويؤمن بآليات الديمقراطية في العمل سواء على المستوى الوطني أو على مستوى التنظيم، وكل هذا اقتضى أن يعلن الاتحاد بشكل مبكر اعترافه بالتراجع في هذه الانتخابات، ولكن الديمقراطية في الحياة الحزبية تتطلب بعد ذلك استخدام الآليات الديمقراطية في إجراء مراجعات لتشخيص مواضع الخلل، والعمل على اجراء التغيير المطلوب هو تغيير لن يكون بعيدا عنه تجديد حيوية القيادة بدماء جديدة وتعزيز مبدأ القيادة الجماعية على وفق قيم الديمقراطية وبما يجعل من لحظة التراجع التي عاشها الاتحاد وعاشتها جماهيره فرصة مهمة للتقدم إلى أمام, من خلال وضع برنامج عمل واقعي وشامل يستهدف حل المشاكل الرئيسة.

تتحمل قيادة الإتحاد الوطني الكوردستاني المسؤولية عن ما حصل في الحزب من تراجع وعدم القدرة على معالجة الأمور داخل الحزب وخارجه, كما يجب عليها إعلان كامل المسؤولية عن نتائج الإنتخابات المخيبة للآمال لجماهيره واتخاذ خطوات فعلية من أجل العودة بالحزب الى الطريق الذي إختطهُ لنفسه منذ البداية, حزباً سياسياً يدافعُ عن حقوق ومكتسبات الشعب الكوردي.

إنّ العمل على تثبيت حكم القانون وترسيخ مبدأ العدالة الإجتماعية, ركيزتان أساسيتان في بناء مجتمعٍ قوي تسوده المساواة ويتمتع فيه الجميع بتكافؤ الفرص وكذلك العمل المشترك مع بقية الأطراف السياسية ومنظمات المجتمع المدني هو ما سيضمن للأجيال القادمة مستقبلاً مشرقاً طالما تطلّع اليه الحزب وهو ما يمكن تحقيقه بالعمل الجاد والسعي الدؤوب من أجل تحقيق مطالب الجماهير في الوقت الحاضر والمستقبل, دون الركون فقط الى التاريخ المشرّف لحزب الإتحاد الوطني الكوردستاني.